استراتيجيات "الإخوان" المضطربة تجاه ثورة يناير

استراتيجيات "الإخوان" المضطربة تجاه ثورة يناير

21 مارس 2017

لمنع"الإخوان" من ميدان التحرير عشية 30 يونيو 2013 (Getty)

+ الخط -
نُشرت تصريحات لقيادة جماعة الإخوان المسلمين، أخيراً، كان من الملاحظ فيها تزايد الاهتمام بالشؤون الداخلية للجماعة، وهو ما يثير الجدل حول دور "الإخوان" في ثورة 25 يناير 2011، ولكنه بالنظر لتداخل أدوار الفواعل السياسية على مدى الفترة، تبدو صعوبة تمييز التفاعلات فيما بينها، غير أن وجود "الإخوان" طرفاً رئيسياً ووصولهم إلى السلطة، يسمح بتحليل توجهاتهم طرفاً فاعلاً في السياق السياسي المصري. وهنا، تبدو أهمية تناول سياساتهم تجاه تكوين الإطار السياسي، بعد تنحّي حسني مبارك، وأيضاً مدى استقرار نظرتهم للعلاقات المدنية ـ العسكرية.

بذور الاستقطاب
شكل عام 2011 الأساس لفوضى التحالفات الحزبية قصيرة الأجل، فكما نشأ "التحالف الوطني الديمقراطي" (14 يونيو/ حزيران 2011)، أو محاولة استعادة "الجبهة الوطنية" التي تشكلت وقت حكم حسني مبارك، والتي ظهرت في أشكال أخرى، كالمجلس الوطني والمبادرات السياسية. كان انقسام التحالفات الهشة على مسألتين؛ تزايد الخلاف حول إجراء الانتخابات في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، وطريقة الوصول إلى مشروع الدستور، وقد ساهم التنوع الأيديولوجي في دعم تباين المواقف السياسية، وخصوصاً بعد الظهور السياسي للحركة السلفية (29 يوليو/تموز 2011). وهنا، شكلت "المبادئ فوق الدستورية" والانتخابات التشريعية العامل الرئيسي في تفكك مسار الانتقال إلى الديمقراطية، حيث انقسمت الأطراف السياسية إلى فريقين: الأول، وتمثله الأحزاب والحركات الليبرالية والاشتراكية، حيث ترى أهمية وضع معالم الدستور وصياغته قبل الانتخابات، وتقوم حجة هذا الفريق على أن صياغة الدستور عن طريق لجنة ممثلة لكل الأطراف، يضمن التوافق على المبادئ العامة لهوية الدولة. وكان من الملاحظ، في الفترة الأخيرة، انحياز مجلس الوزراء لهذه الفكرة. ويبدو أن هذا التوجه يسعى إلى تجنيب الانتخابات حالة الاستقطاب السياسي التي شهدها استفتاء 19 مارس/آذار 2011. أما الاتجاه الثاني، وتمثله الحركات الإسلامية، فيرى أن وضع مبادئ حاكمة يعد بمثابة مصادرة على نتائج الانتخابات، كما أنه إخلال بالمسار الانتقالي الذي تم التوافق حوله، بناءً على نتائج الاستفتاء وإعلان 30 مارس.
كما شكّل اجتماع "التحالف الديمقراطي من أجل مصر" (الإخوان المسلمين وحزب الوفد وأحزاب أخرى) وبعض أحزاب تحالف "الكتلة المصرية" (28 سبتمبر/ أيلول2011) الخطوة التمهيدية لإضعاف الوضع الدستوري لمجلس الشعب، فعلى الرغم من تباين مواقف المشاركين من إجراء الانتخابات، كان هناك إصرار على إلغاء المادة 5 من قانون الانتخابات، والتي تحظر ترشيح أعضاء الأحزاب على المقاعد الفردية، باعتبار أنها تؤدي إلى تفتيت البرلمان، وتتيح لأعضاء الحزب الوطني "التسلل" للبرلمان عبر المقاعد الفردية. ولذلك، كان الاتجاه العام إلى المطالبة بتعديل النظام الانتخابي بتقليص المقاعد الفردية والسماح لأعضاء الأحزاب بالترشح عليها، وهو الطعن الذي استندت إليه المحكمة الدستورية في حل البرلمان (14 يونيو/ حزيران 2012).

وعلى الرغم من إقرار مقترحات الأزهر ومبادراته، والمجلس الوطني، والتحالف الديمقراطي، بالهوية العربية الإسلامية وضمان الحريات العامة، اصطفت جماعة الإخوان المسلمين، وغالبية مكونات الحركة السلفية، في رفض أي محاولةٍ لفرض ما أطلقت عليه "مبادئ فوقية" على لجنة الدستور، ما ساهم في ترسيخ حالة اصطفاف علماني ـ إسلامي، شكل أرضية ملائمة للصدام بين "الإخوان" والجيش، وخصوصاً بعد إصرارهم على حذف البندين 9 و10 من وثيقة الوزير علي السلمي، بحيث ظهرت الجماعة، في مظاهرات 18 نوفمبر/ تشرين الثاني2011، طرفاً رئيسياً يعارض الجيش.
أدى تبلور ملامح الاستقطاب لدخول حركة الإخوان منفردةً في الأزمات السياسية اللاحقة، ولعل أهمها النزاع حول سحب الثقة من حكومة كمال الجنزوري (فبراير/ شباط 2012)، والصراع حول "الجمعية التأسيسية،" والطعن في صحة الانتخابات البرلمانية، وأخيراً الترشح لرئاسة الدولة. وبغض النظر عن الجدل القانوني، ارتبطت أزمات النصف الأول من 2012 بمسألة تسليم المجلس العسكري للسلطة، وهو سياق استدعى الخلاف التاريخي بين الطرفين منذ 1954، ظهر للعلن في بيانات متبادلة (مارس/آذار 2012)، ما يشير إلى تضاؤل فرص منع تصعيد الأزمة.
ترافق التصعيد المتبادل مع إعلان "الإخوان" ترشحهم للرئاسة، على الرغم من وجاهة مبرّرات الامتناع عن المشاركة التي عرضها المتحدث الإعلامي، محمود غزلان، في 12 مايو/ أيار 2011 في مقال تحت عنوان "لماذا لن نرشح أو نؤيد أحدًا منَّا في انتخابات الرئاسة القادمة؟"، كان أولها الحفاظ على مصداقية الجماعة، وتأثير التحديات الداخلية والخارجية على استقرار الدولة، وتطلع الجماعة لإفساح الطريق أمام القوى الوطنية والشباب في تحمل المسؤولية.
وعلى الرغم من محورية قرار الترشح لانتخابات الرئاسة في السياسة المصرية والإقليمية، ارتبطت أسباب تغير موقف "الإخوان المسلمين" بالأزمة مع المجلس العسكري، والتي تمثلت في تدهور العلاقة بين مجلس الشعب والحكومة وحل الجمعية التأسيسية (بيان 31 /3 /2012)، وعلى الرغم من استمرار العوامل التي شكلت أسباب الامتناع عن تقديم مرشح، لم يشر البيان إلى تصورات "الإخوان" عن إدارة الدولة، أو القيام بأعباء السلطة، وبناء تحالفات آمنة، تحمي الانتقال الديمقراطي.
وعلى أية حال، شكلت هذه الخطوة متغيراً جديداً عزّز الانقسام على أساس أيديولوجي، حيث اتجهت الدعاية الانتخابية إلى تمييز المرشحين على أساس انتمائهم السياسي، بحيث ظهرت مصطلحات "المرشح المسلم" و"الإسلامي" كمحتوى رئيسي للدعاية الانتخابية، على الرغم من وجود مرشحين آخرين، ذوي خلفية إسلامية.
كما أضفى الصدام المعقد في مسألة الجمعية التأسيسية أعباء جديدة على جماعة الإخوان، وأكدت المرحلة الأخيرة منه استحالة استمرار المسار الديمقراطي، خصوصاً مع تفاقم التناقضات الإسلاميةـ الليبرالية والاشتراكية، وهي مرحلة أخذت طورها النهائي، بصدور الإعلان الدستوري (21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012)، وبينما تدخلت الجماعة لحماية القصر الجمهوري (ديسمبر/ كانون الأول 2012)، تراخت السلطة القائمة في حماية المحكمة الدستورية، ما ترتب عليه حالة من النزاع بين السلطات، تكونت وقت الاستفتاء على الدستور.


دور المؤسسة العسكرية
على الرغم من الاعتراض الصارم على تعديلات وثيقة السلمي، كشفت أجواء انتخابات الرئاسة عن قبول "الإخوان" دور الجيش في الشؤون المدنية، ففي برنامج 90 دقيقة (قناة المحور 12/6/ 2012)، أعلن محمد مرسي قبوله بوظائف أمنية للجيش تستمر عامين للمشاركة في الأمن الداخلي. ومن الممكن تفهم الدواعي الانتخابية لهذا التوجه، لكن أهميته تتمثل في صدور ثلاثة قرارات شكلت المناخ السياسي والدستوري للفترة التالية. وفي هذه الأجواء، صدر قرار وزير العدل رقم 4991/2012 (13يونيو/ حزيران)، والذي يمنح الضبطية القضائية للشرطة العسكرية، ويتوافق هذا الإجراء مع رؤية مرسي لدور الجيش في حفظ الأمن، ثم حل مجلس النواب (14 يونيو/ حزيران)، وإصدار "الإعلان الدستوري المكمل" (17 يونيو/ حزيران 2012)، لينقل السلطة التشريعية للمجلس العسكري، وذلك في أسبوع ساخن، قبل إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية في 24 يوينو/ حزيران، وهو ما مهد الطريق لتوسع دستور 2012، وتعديلاته في 2014، ليجعل اختصاصات القوات المسلحة أكثر استقلاليةً من النواحي التنظيمية والمالية والمؤسسية.
وعلى الرغم مما تمثله هذه الإجراءات من قيود على السلطة التنفيذية، فإنها لاقت اعتراضاً محدوداً من "الإخوان"، وهو ما يمكن تفسيره بتزامنها مع انتخابات الرئاسة، وتداخل الأزمات السياسية. وبهذا المعنى، دخلت جماعة الإخوان المسلمين مرحلة رئاسة الدولة وفق إطار الأسقف المهتزة، فمن جهة دخلت في نزاع شديد على السلطة، انتهى ظاهرياً مع إلغاء "الإعلان المكمل" ليظهر صراع مفتوح مع سلطات الدولة. ومن جهة أخرى، دخلت الجماعة خالية من الظهير السياسي الذي تشكل في إطار "اتفاق فيرمونت"، على الرغم من ثبوت فاعليته السياسية في الجولة الثانية للانتخابات، حيث انتهى أثره بمجرد إعلان النتائج النهائية للانتخابات، وهو ما شكل واحداً من قيود الانتقال السياسي.
أدت هذه الممارسات إلى ضعف حماية الإخوان/ الحرية والعدالة للسلطة، ما أدى، في النهاية، لعزل محمد مرسي على وقع الجدل حول الانقسام الشعبي بشأن استمراره رئيساً للدولة، ما ترتب عليه توقف الانتقال السياسي، وهي مرحلة بدأت مبكراً مع تشكيل حكومة هشام قنديل (أغسطس/ آب 2012)، حيث ظهر النمط التقليدي للعلاقات السياسية فترة ما قبل الثورة، وكان تشكيلها متسقاً مع الإطار الذي طرحه مرسي في أثناء الحملة الانتخابية، حيث اقتصر تشكيل الحكومتين على النخبة التقليدية وبعض الوزراء من جماعة الإخوان المسلمين، وانتهت مع بيان 3 يوليو 2013.
وعلى الرغم مما بدا من تفاوضية بين "الإخوان" والمجلس العسكري، تبنت الجماعة حلاً وحيداً بعد يونيو 2013، تقوم محاوره على استعادة "الشرعية" بمؤسساتها والقصاص وإبعاد الجيش عن السياسة، فإن أهمية النقاش هنا لا تقتصر على تداعيات الأحداث، وطرح المطالب، كمعادلة صفرية، لكنها تكمن في تفسير أسباب تغير خطاب "الإخوان"، فحتى 30 يونيو، كانت التصريحات إيجابية عن دور الجيش وحمايته للشرعية. ويمكن تفسير هذا التباين، فقط، في قصور إدراك النخبة السياسية لدى "الإخوان" لطبيعة السياسات منذ العام 2011. وبالتالي، كما أن استمرارها يفسر الخسائر الصافية حتى الوقت الراهن. وهنا، لا يمكن التعلل بكثرة الخصوم، حيث أنه الوجه الآخر للخطأ في تقديرات التنافس على السلطة. وبالنظر إلى الفترة القصيرة (يوليو 2012 – يونيو 2013)، يمكن اعتبار هذا القرار نوعاً من المغامرة مفتوحة العواقب.

خيارات محدودة
ومنذ يوليو/ تموز 2013، لم تتمكّن الجماعة من تحقيق مطالبها، فعلى الرغم من عنفوان
الاحتجاج في بدايته، حدث تراجعٌ منتظمٌ خلال السنوات التالية، وهو يرتبط بعشوائية التوقعات وتركيز الخطاب السياسي فقط على "إسقاط الانقلاب" حلاً وحيداً للخروج من الأزمة، كما أضاف ظهور الانقسامات الداخلية مزيداً من تراجع الفاعلية السياسية، وتداعي التحالفات الهشّة. فمن الناحية الفكرية، ظهر قلق بشأن مطلب "استعادة الشرعية"، فبينما تغير مفهوم الشرعية من استعادة كل المؤسسات القائمة في يونيو 2013 إلى عودة رمزية ومؤقتة لمحمد مرسي، يتم فيها إقامة السلطة وتوزيعها مرة أخرى.
في ظل هذا التغير، تواجه الجماعة سياساتٍ واقعية، بغض النظر عن تكييف طريقة تكوينها، تتمثل في وجود إرادة شعبية أخرى، وصدور أحكام نهائية بشأن سياسييها، هذه المسألة لا يمكن فهمها فقط من وجهة آراء المدارس القانونية في النزاع الدستوري، ولكن من وجهة أنها تحدث في ظل تدهور التأثير السياسي للإخوان والمعارضة وتشتت المطالب بين "الشرعية" والتسوية، لعل المشكلة تكمن في غياب استراتيجيةٍ لتحقيق هذه المطالب، في واقع إقليمي ودولي متغير.
وتشير التصريحات، أخيراً، إلى أولوية الشؤون الداخلية، فباستثناء إشارة المرشد العام، محمد بديع، في التسريب المنسوب إليه (8 مارس/ آذار2017)، إلى ثبات محمد مرسي، ورفض المصالحة، ينصب اهتمامه على الشؤون الداخلية الخاصة بالجماعة، حيث استخدم مصطلحات شائعة في أدبيات المحنة، كـ"الصبر" و"البيعة"، حيث أشار إلى أهمية وحدة الجماعة، حتى تنتهي الأزمة (المحنة)، وهو التزام بـ"البيعة"، وذلك في سياق استدعاء حالاتٍ دينية وتاريخية، كـ"سجن يوسف" وفترة حسن الهضيبي، وبغض النظر عن تكييفهما على واقع الجماعة الراهن، يبدو أن تزامن نشرها مع تصريح نائب المرشد العام، إبراهيم منير، كان للتأكيد على مواقف متماثلة تجاه "الصبر" على الوضع في مصر.
لكنه من اللافت أن خطاب "الإخوان" كان أكثر انفتاحاً مع المؤسسات البريطانية، على الرغم من أدبياتهم عن مناهضة الاستعمار ومعاداة الغرب الإسلام وتواطئه مع الانقلاب، وبجانب أنه يشير إلى تناقض داخلي، فإنه يثير التساؤل عن تأثير الانقسامات الداخلية على تماسك خطابها السياسي، ومدى ارتباطه بميراثها الفكري.
يبدو أن جماعة الإخوان اتبعت استراتيجية قفز الحواجز والأسقف المهتزة في المرحلة الانتقالية، وذلك تحت مظلة نمط تقليدي في الإدارة الداخلية. وقد أدت هذه السياسات إلى تكوين سلسلة مؤسسات هشّة، لم تستطع التكيف مع تنامي الصراع والاستقطاب، فقد أرست سياسة القفز على المشكلات، لتوسيع نطاق البيئة المعادية. ويمكن القول إن عدم الاستقرار على استراتيجية واضحة ساهم في الحد من دورهم السياسي، وظهور مؤشراتٍ على الانصراف نحو الشؤون الداخلية.

دلالات

5DF040BC-1DB4-4A19-BAE0-BB5A6E4C1C83
خيري عمر

استاذ العلوم السياسية في جامعة صقريا، حصل على الدكتوراة والماجستير في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، وعمل باحثاً في عدة مراكز بحثية. ونشر مقالات وبحوثاً عديدة عن السياسية في أفريقيا ومصر والشرق الأوسط .