مناورات ترامبية

مناورات ترامبية

03 مارس 2017

ترامب في الكونغرس... (28/3/2017/Bloomberg)

+ الخط -
ألقى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، خطابه الأول أمام الكونغرس الأميركي قبل يومين. وقد حاول فيه أن يبتعد قليلاً عن أسلوبه الهجومي الاستقطابي، وذلك بتبني لغة توافقية على غير العادة، وهو ما ساهم في تقليل حدة الانقسام، ولو شكلياً، بين إدارة ترامب وبقية خصومها السياسيين. 

بيد أن خطاب ترامب لا يتعدى كونه مجرد مناورة سياسية، جاءت لأسباب واقعية. أهمها تدني معدلات تأييده بين الأميركيين، والتي لم تتجاوز 20%، وهي أدنى نسبة لرئيس أميركي خلال شهره الأول. في حين ارتفعت نسبة الذين يطالبون بخلعه من خلال الكونغرس، والتي وصلت أخيرا إلى حوالي 46%. كذلك كان هناك، ولا يزال، تخوفٌّ من أن يؤدي السلوك المتهور لترامب في تدمير الحزب الجمهوري، وهو ما وضح في حالة الرفض والاستهجان التي تعرّض لها أعضاؤه في مقارهم وجولاتهم الانتخابية، والتي نُشرت بعض مقاطعها في وسائل الإعلام الأميركية. ويبدو أن ترامب قد تعرّض لضغطٍ، وربما توبيخ، من قادة الحزب الجمهوري من أجل تهدئة لهجته وطريقته في التعاطي مع الإعلام والصحافيين الذين يعتبرهم "أعداء الشعب الأميركي". كذلك يبدو أن ترامب يحاول تخفيف حدة المواجهة مع المؤسسات الأميركية، مثل أجهزة الاستخبارات والقضاء والمؤسسة الحزبية، وذلك من أجل التفرغ لتنفيذ أجندته الانتخابية.
قد يرى بعضهم في خطاب ترامب تراجعاً عن نهجه المتغطرس في التعاطي مع السياسة، والتي يبدو أنها دخلها من دون أن يدري تعقيداتها ومشكلاتها، فحاول أن يتعاطى معها على طريقة إدارته شركاته وأعماله، لكنه اصطدم بمؤسسات كثيرة، وبما أطلق عليها بعضهم "الدولة العميقة". ويبدو أن ترامب، أو على الأقل بعض مستشاريه، بدأوا يدركون أن الأمور لا يجب أن تُدار بهذه الطريقة الصدامية، وأنه سيكون الخاسر على المدى الطويل، فكان القرار بالتهدئة وتجنب اللغة الهجومية، خصوصاً في ظل سعي بعض خصومه إلى فتح ملفات كثيرة خاصة بأعضاء إدارته، قد تؤدي، في النهاية، إلى إطاحته، كما هي الحال في مسألة العلاقة مع روسيا والتي تتدحرج الآن ككرة الثلج.
وعلى الرغم من ذلك، لم يُزل الخطاب الهواجس والمخاوف إزاء ترامب وطريقته، فلا يُعقل أن الرجل تغير بين عشية وضحاها. ولكنه بدأ يتبع أسلوب المناورة في التعاطي مع الخصوم. وهو ما يبدو في رد فعل الديمقراطيين الذين لا يزالون على موقفهم من ترامب وإدارته، والذي بدا واضحاً في أثناء إلقاء ترامب خطابه في الكونغرس. فلم يتفاعل أعضاء الحزب الديمقراطي مع خطاب ترامب، حتى في أكثر اللحظات عاطفيةَ عندما ذكر اسم ضابط البحرية الأميركية، رايان أوينز، الذي قُتل في عملية ضد تنظيم القاعدة في اليمن الشهر الماضي، والتي بدت وكأن ترامب يتصرف كرئيس حقيقي. كذلك كان رد فعل الديمقراطيين متجهماً، عندما تحدث ترامب عن التخلص من نظام الرعاية الصحية "أوباما كير"، والذي كان بمثابة إنجاز تاريخي للديمقراطيين قبل خمسة أعوام.
وبلغة المباريات، يمكن القول إن خطاب ترامب يعكس شعوره بأنه خسر الجولة الأولى من الصراع مع المؤسسات والإعلام الأميركي، وأنه اضطر، في النهاية، إلى تغيير أسلوبه ولغته. وربما يعتقد أن ذلك كافٍ لامتصاص حالة الغضب والاستقطاب التي أحدثها، طوال حملته الانتخابية وبعد انتخابه. ولكن، يظل أن تتماشى أفعاله مع أقواله، وإلى أن يحدث ذلك، سيظل خصومه على الحال نفسها من الحيطة والترقب.
A6B2AD19-AA7A-4CE0-B76F-82674F4DCDE4
خليل العناني

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية. عمل كبير باحثين في معهد الشرق الأوسط، وباحثاً في جامعة دورهام البريطانية، وباحثاً زائراً في معهد بروكينجز.من كتبه "الإخوان المسلمون في مصر ..شيخوخة تصارع الزمن".