غربال الذرائع الواهية

غربال الذرائع الواهية

20 مارس 2017
+ الخط -
في تطبيقٍ حرفيٍّ لمقولة "عذر أقبح من ذنب"، أصدرت جمعية معهد تضامن النساء الأردني (تضامن) بيانا، ينتصر، وفق ما جاء فيه، لسيدة تشغل مقعدا في مجلس النواب، وهي النائب التي أثارت لغطاً واسعاً في الشارع الأردني، قبل أيام، وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بحكايتها، إثر بث مقطع فيديو لمقابلةٍ مصورة لها، ارتكبت فيها خطأ فادحاً، حين قدمت معلومة مغلوطة، في سياق تعبيرها عن سعادتها بخروج أحمد الدقامسة حرّا من السجون الإسرائيلية، في حين يعرف القاصي والداني، كما يعرف أطفال المرحلة الابتدائية، أن الدقامسة أمضى محكوميته في السجون الأردنية، تنفيذا لحكم قضائي بسجنه 20 عاما إثر حادثة قتله سبع فتيات إسرائيليات. وقد أثار التصريح الغريب العجيب جدلا واسعا بين نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، وتسبب بصدمة واستهجان وسخرية مريرة في أوساطهم، جراء مقدار الجهل بالشأن العام الذي عبّر عنه تصريح النائبة عاثرة الحظ. وفي محاولةٍ منها، منيت بالفشل الذريع، لإنقاذ ما تبقى من ماء الوجه والتخلص من الحرج الكبير، قدمت السيدة تبريرا ترقيعيا يخلو من المنطق، وينطوي على مغالطات كثيرة، ما زاد الطين بلة، مع أن الحل الأمثل الذي يحترم عقول الناس، للخروج من هذا المأزق، كان أبسط من ذلك بكثير، وهو يكمن في الإقرار بالحقيقة البسيطة المجرّدة، لأن الجهل بالشيء ليس جريمةً، يعاقب عليها القانون، وبالتالي لسنا مضطرين للتستر عليها أو التنصّل من تهمة ارتكابها.
كان حريّاً بالنائب المحترمة أن تعترف بشجاعة ووضوح وإقرار بالذنب، احتراماً لمن انتخبها، ثم تقدم اعتذارا صادقا تعبر فيه عن أسفها، وتتعهد لجمهور الناخبين بتحرّي الدقة، وإبداء جدية أكبر في أدائها النيابي، عوضا عن المضي في المكابرة، والتمسّك بمبدأ "عنزة ولو طارت". ولا يختلف الأمر كثيرا في بيان "تضامن" الذي صدر انطلاقا من نيات طيبة ونبيلة، لا تقبل الشك. ومع ذلك، يمكن اعتباره سقطة مهنية ونقابية وجندرية، ينطبق عليه، والحال هذه، المثل الشعبي البليغ (جاءت تكحلها أعمتها). وفي البيان التبريري الصادر عن "تضامن"، نقرأ أن النائبة هي أصغر عضو في مجلس النواب الأردني الثامن عشر، عمرها ثلاثون سنة، وكان عمرها عشر سنوات، حين تمت محاكمة الجندي أحمد الدقامسة قبل عشرين عاما. أنت، بحسب "تضامن" معفى من اللوم بجهلك بالأحداث، ما دمت لست معاصرا لها. جميل وصحيح أن بيان الزميلات في "تضامن" حاول إبداء شيء من الموضوعية، وأخفق تماما هنا، حتى وهو يؤكد أن ذلك لا يعتبر عذرا لما حصل.
إذا لم يكن عذرًا يستحق الإشارة إليه، لماذا خصصتم له هذا الحيز من بيانكم؟ ألا يعتبر ذلك نوعا من التناقض؟ وتحذرون، في السياق نفسه، من مغبة إحباط الأصوات القيادية الشابة التي هي في أمس الحاجة للرعاية والمساندة والدعم، بحسب البيان. أظن أن كلمة الطبطبة سقطت سهوا كذلك، فذلك هو جوهر الموضوع، كما يفيد البيان (إن نشر هذا الفيديو يصب في اتجاهٍ واحد من خلال توجيه رسالة واحدة، هي أن النساء القياديات ما زلن غير قادراتٍ على تحمّل المسؤولية في مجالاتٍ كثيرة، هي حكرٌ على الرجال، وتأكيد للصورة المسبقة عن النساء). التأمل في بيانٍ كهذا يجعلنا نلمس، بوضوح، ملامح ظاهرة الفزعة، وهو سلوك انفعالي، نقدم عليه نصرةً لمن هو في صفنا، بغض النظر عن اتفاقنا معه أو رفضنا له، ننتصر له ونتصدّى لمن ينتقده، مهما كان موضوعيا، ونتغاضى عن أخطائه تعصبا عاطفيا للنوع، فنعمل بكل ما أوتينا من يأس وخيبة أمل على تغطية شمس الحقيقة بغربال الذرائع الواهية.
AD06A645-8A0A-4B42-9292-5FC44B5D51C6
بسمة النسور

كاتبة أردنية، تحمل الليسانس في الحقوق، صدر لها ست مجموعات قصصية، وكتبت نصين مسرحيين. تكتب في الصحافة العربية منذ 1990، وتشغل موقع رئيسة تحرير مجلة "تايكي" المتخصصة بالإبداع النسوي.