تعالوا نعرّف الإرهاب

تعالوا نعرّف الإرهاب

20 مارس 2017
+ الخط -
كالعادة، عربياً، لا تنسيق إلا في قضايا الأمن، حتى قيل مرةً إن الاجتماعات العربية الوحيدة التي لم تنقطع، على الرغم من القطائع المستمرة بين دولة عربية وأخرى، هي اجتماعات وزراء الداخلية العرب. ممكن للقطيعة أن تطاول كل شيء، إلا قضايا الأمن التي تخص مصائر الأنظمة، وليس مصالح الشعوب. ومما يشكل ظاهرة، جيدة/ سيئة، في الوقت نفسه، ويرسم صورة لـ "العمل العربي" غير المشترك: معارض الكتاب. الجيد أنها تتكاثر. صارت هذه المناسبات (وهذا سيىء!) فرصة القارىء للقاء مع الكتاب. فبسبب الأزمات الاقتصادية الدورية (السمة المميزة للاقتصاد الرأسمالي بحسب النظرة الاشتراكية، وهذا، بالطبع، لا يخصّنا، لأننا لسنا منتجين سوى لسلعة واحدة غير مستدامة هي النفط) تتقلص قدرة الناس الشرائية، ويقتصر الإنفاق على "الضروري"، وليس الكتاب، في حالتنا العربية، من بينها. هناك فرصة، إذن، لشراء الكتاب بأسعار "مدروسة". وهذه الفرصة سنوية، ما يعني أن العربية/ العربي لا يقبل على شراءالكتاب، تقريباً، إلا في معارض الكتب التي تجمع، إلى الأسعار "المدروسة"، دور نشرٍ عديدة تحت سقف واحد. 
ومهما يكن رأينا في معارض الكتاب العربي، والفرصة المزدوجة للقارئة / القارئ، لكي يقتني كتاباً، وللناشر لكي يبيع أكبر عدد من النسخ (والتضارب قائم، لا محالة، بين المسعيين) فإنها ظاهرة جيدة تستحق التشجيع، فنحن نريد للكتاب مسرباً إلى قارئه في أي صورة كان. غير أن السيىء ضعف التنسيق بين هذه المعارض، على الرغم من وجود اتحاد عربي للناشرين، يضم ممثلين لقوى النشر المحلية. صحيحٌ أن مرتادي هذه المعارض ليسوا هم أنفسهم، ونادراً ما يذهب قارئ من بلد عربي ما إلى معرضٍ في بلد عربي مجاور، إلا في الحالة السعودية قديماً، عندما لم تكن في المملكة معارض كتب، وإن كانت فقائمة الممنوعات طويلة عريضة، فكنت ترى المواطنين السعوديين في معارض الكتب في البحرين، أو في الإمارات.. أقول على الرغم من أن معارض الكتب محلية، وتخص القارىء المحلي الذي قد لا يعنيه وجود تضارب بين معرض بلاده ومعرضٍ يقام، في الوقت نفسه، في بلد آخر، إلا أن هذا يشكل إرباكاً للناشرين الذين نراهم يتراكضون من عاصمة عربية إلى أخرى، ويفضّلون، أحياناً، المشاركة في هذا المعرض "المُربح" على ذلك المعرض "المُخْسِر"، ما يحرم القراء في هذا البلد، أو ذاك، الفرصة شبه الوحيدة لاقتناء الكتاب. على أن هذا قد يكون أقل هموم معارض الكتب العربية ودور النشر المشاركة فيها. السيىء فعلاً هو قوائم الممنوعات المتغيرة بحسب المزاج السياسي لهذا البلد العربي أو ذاك. فما كان مسموحاً به من قبل ليس مسموحاً به الآن. حتى إن قائمة الممنوعات قد تشمل كتباً موجودة، فعلياً، في الأسواق، أي يفترض أنها مرّت بالرقابة وأجازتها.
كثيراً ما يتحدث الناشرون العرب عن الضرائب على الكتب وارتفاع أجور الأجنحة، فضلا عن كلفة الشحن (وهي قضايا حقيقية لا جدال فيها)، غير أن الأهم من ذلك رفع الصوت في مواجهة المزاج المتقلب للرقيب العربي، بل ضد الرقابة، كسيفٍ مسلطٍ على الأفكار وحريات التعبير التي هي فردية بالضرورة. وقد يكون هناك عذر للناشر العربي الذي يتردّد في الخوض في قضية الرقابة، لأن لا مدخل له إلى أي سوق عربية، إلا من خلال حدود الدولة التي قد لا تمكّنه من المشاركة في معارض الكتب التي تقام على أرضها. وقد شهدنا رقاباتٍ عربية مبتكرة على هذا الصعيد، مثل: إعاقة شحنة الكتب من الوصول في الوقت المحدد، أو عرقلتها في الجمارك حتى تنتهي أيام المعرض، أو قبل ذلك بقليل.
واليوم يرتفع سيف رقابة جديد، يمشي في ركاب السياسات المحلية والدولية، هو الحرب على الإرهاب، يُضاف إلى تابوهات عربية خالدة: الجنس والدين. كيف تحدّد الرقابات العربية الإرهاب؟ ما هي معاييرها؟ يصعب ضبط ذلك، لأن ما كان مطلوبا ترويجه من قبل صار يقع اليوم تحت طائلة الإرهاب. هل نحتاج، لمناسبة الحديث عن معارض الكتب العربية وقضاياها، إلى مدونةٍ فكريةٍ وحقوقيةٍ، تعرّف ما هو الإرهاب في ظل اختلاط المفاهيم، بل خلط المفاهيم لغاياتٍ تخدم سياسات اللحظة الراهنة؟
أظن ذلك.
E7B23353-660D-472F-8CF3-11E46785FF04
أمجد ناصر

شاعر وكاتب وصحفي من الأردن