إسرائيل وسورية

إسرائيل وسورية

19 مارس 2017
+ الخط -
سعى فلاديمير بوتين، منذ تسلّمه الرئاسة في روسيا عام 2000 إلى تحسين العلاقات مع إسرائيل، وهي العلاقات التي شهدت تدهوراً في أواخر التسعينات في عهد وزير الخارجية ورئيس الوزراء، آنذاك، يفغيني بريماكوف، حيث أنّ الاتصالات بين مسؤولي البلدين منتظمة، وهناك عدّة قنوات، كما لدى إسرائيل وروسيا اتفاق سياحي من دون تأشيرة دخول، فضلاً عن عوامل أخرى تلعب دوراً في تثبيت هذه العلاقة، منها وجود مليون إسرائيلي من أصل روسي في كيان الاحتلال، وتبوّأ اللغة الروسية المرتبة الثالثة كأكثر لغة متداولة في كيان الاحتلال الإسرائيلي.
كان لتحسن العلاقات انعكاس على المستويات الاقتصادية، وبدأت تشهد تطوّراً منذ عام 2014، فحجم التبادل التجاري وصل إلى ثلاثة مليار دولار، كذلك شهدت العلاقات العسكرية تحسّناً ملحوظاً، عبر بيع إسرائيل روسيا 10 طائرات من دون طيار عام 2015 .
وتعزو الخبيرة في الشؤون الروسية، آنا بورفسكايا، في دفع بوتين العلاقة مع إسرائيل الى الأمام، إلى عدّة عوامل، يتقدمها الصراع في الشيشان، وهو ما واجهه بوتين في أولى سنوات حكمه، مشبّهاً صراعه مع الشيشانيين "بالإرهاب" الذي تصارعه إسرائيل في فلسطين، كذلك حفّزت رغبة بوتين بإقامة علاقات اقتصادية مع دول الشرق الأوسط تحسين علاقته مع إسرئيل التي تحتاج روسيا للاستعانة بقدراتها التكنولوجية العالية في مجالات تتضمن تقنية "النانو".
وأخيراً، عمل بوتين على حجز مكان لروسيا في عملية السلام في الشرق الأوسط، ففي عهده سعت روسيا إلى ترك بصمة واضحة في عملية السلام، منذ انضمامها إلى "اللجنة الرباعية الدولية"، وعندما زار بوتين إسرائيل عام 2012 وعقب لقائه الرئيس الإسرائيلي، شيمون بيريز، آنذاك، قال "تقوم مصلحة روسيا الوطنية على توفير السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، والسلام والاستقرار للشعب الإسرائيلي، وليس من باب المصادفة أنّ روسيا من بين المبادرين والداعمين لإنشاء دولة إسرائيل".
عندما بدأت الحرب في سورية، تمثّل الهاجس الإسرائيلي الأكبر بنقل السلاح الإيراني إلى حزب الله عبر البوابة السورية، فلقد أثبت هذا السلاح (وخصوصا الصواريخ) نجاعته في حرب تموز عام 2006 وأذاق إسرائيل مرارة الهزيمة، وبالتالي، هناك فرصة بعد نشوء الحرب في سورية إلى منع تدفق السلاح، فعملت إسرائيل على ضرب شحنات السلاح في سورية التي قدّرت أنّها تعود لحزب الله، كما عملت على إزالة أيّ تهديد ضمن إطار حدود الجولان، ودعمت بعض المقاتلين بالسلاح، وبمعالجة بعض الجرحى.
إلا أنّ التدخل الروسي في سورية أدى الى معادلة جديدة، وأضعف تحقيق أهداف إسرائيل في سورية، فالطيران الإسرائيلي لم يعد في مقدوره التحرّك بحرية، إلا بالتنسيق أو بعلم روسيا، أو بغض الطرف عنها، كما حصل في عدّة مرات، كما أسقط هدف سقوط نظام بشار الأسد، ما دفع إسرئيل إلى التعاون مع روسيا وفق منطق ثلاثي، تحدّث عنه أستاذ العلوم السياسية في جامعة أكسفورد، سامويل راماني، والذي يتمثل بإيمان نتنياهو بقدرة موسكو على خفض الخطر المتأتي من نظام الأسد وحلفائه، فالعلاقة الجيدة مع روسيا ستدفع بوتين إلى الاعتدال في علاقته بإسرائيل من جهة وسورية وإيران من جهة أخرى، ما يدفع إلى خفض منسوب الخطر من سورية وإيران، بحكم علاقتهم أيضا بروسيا.
أما المنطق الثاني فهو رغبة موسكو وكيان الاحتلال الإسرائيلي باستقرار سورية، وأقلق تعاظم قوة داعش إسرائيل، وبالتالي تلتقي إسرائيل مع موسكو في وجوب منع سقوط سورية بيد الجماعات المتشدّدة، لما فيه من خطر على الطرفين.
وتتمثل القاعدة الثالثة بتشجيع إسرائيل روسيا على الحفاظ على وجودها العسكري في سورية، كي لا تخلو الساحة لإيران وحلفائها، وبالتالي، فإنّ الوجود العسكري الروسي هو محل اطمئنان روسي، لكبح جماح طهران في روسيا.
تواجه إسرائيل تهديدات كبيرة لأمنها القومي، فاستمرار البرنامج النووي الإيراني والمساعدات التي تقدّمها للمقاومة في غزة واستمرار انتفاضة القدس، لا تقل عن التهديد الذي سوف يمثله تعاظم الدور الإيراني في سورية، وتثبيت وجود حزب الله العسكري فيها، خصوصاً عند الجولان، وعلى الرغم من تفهم الإسرئيليين الوجود الروسي العسكري في سورية، إلا أنّ نظرتهم تختلف تجاه إيران وحزب الله.
يعتقد خبراء عديدون أنّ قدرة إسرئيل على التأثير في سورية محدودة، فالخبير في العلاقات الدولية من مركز راند، لاري هانور، يرى عدم قدرة إسرائيل في إحداث تأثير يصب في إضعاف قوة إيران في سورية، وينصح بتعاون وثيق مع روسيا لتقليل هذا النفوذ فقط، ويرجح خبراء آخرون امتناع روسيا عن الانحياز لإسرائيل على حساب إيران، بأن إسرائيل ستفضّل السياسة الأميركية في المنطقة على حساب الروسية.
هذا يدفعني إلى تبني قول شلومو شامير من معاريف أنّ نتنياهو خرج من عند بوتين بخفي حنين، بل أضحكه، عندما عاد إلى التاريخ قبل خمسة قرون، مذّكرا بخطورة بلاد فارس على اليهود.
F4F14766-7D2F-4617-9AFB-878AF02EAFEE
F4F14766-7D2F-4617-9AFB-878AF02EAFEE
أحمد الصباهي (فلسطين)
أحمد الصباهي (فلسطين)