غورباتشوف خائن وعميل!

غورباتشوف خائن وعميل!

07 فبراير 2017

غورباتشوف.. إطلالة في متحف في موسكو (16/12/2017/فرانس برس)

+ الخط -
ربما يكون الأمر محيّرًا. منذ فترة طويلة، وأنا أحاول التعمّق في البحث في هذا الموضوع. ولكن، لم أستطع الحصول على أي مراجع أو كتب مفيدة حول هذا الموضوع في أثناء وجودي في السجن، لأتمكّن من تصحيح معلوماتي إن كانت خاطئة. وما زلت أبحث عن مراجع أو مقالات جديدة تتناول القضية من زوايا ووجهات نظر مختلفة.
كان لي صديق ضابط في الجيش، التحق بالكلية الحربية، والتحقتُ بكلية الهندسة، وتفرقنا وأصبحنا نلتقي في الإجازات. وبعد التخرج، أصبحنا نتقابل مصادفةً، تغيّرت طريقة تفكير كل منّا، وتقابلنا مرة في 2005 بعد بداية اهتمامي بالسياسة وقضية الإصلاح والتغيير عندما انضممت لفعاليات حركة كفاية. وعلى الرغم من أنه كان غير راضٍ عن أداء حسني مبارك وحكومته، كغالبية الشعب المصري، إلا أنه أيضاً كان رافضًا كل أنشطة المعارضة وحركة كفاية وكل الأنشطة التي تحاول كسر حاجز الخوف، ورافضًا كذلك أي احتمال لخروج الجماهير ضد مبارك، أو أي تحرّك ثوري، أو أي محاولة لإجبار مبارك على الاستقالة، وعندما كنت أسأله، عن وجهة نظره، في كيفية حدوث التغيير والإصلاح، طالما أن مبارك سد كل الطرق لتداول السلطة، فكانت إجابته: ربنا يحلها من عنده. لكن أي كلام عن ثورة أو خروج جماهير يبقى، أكيداً، مخططاً أجنبياً (أجندات).
تمر الأيام، وأقابله في 2010 قبل شهور من ثورة 25 يناير، وتحدّثنا عن فكرة الإصلاح والتغيير، وبدأت في التحدث عن تجارب دول شهدت ثورات شعبية سلمية، قادتها إلى التقدم والنهضة والديمقراطية، مثل معظم دول شرق ووسط أوروبا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ففوجئت به يقول بحدة، إن انهيار الاتحاد السوفييتي، وما تلاه من ثورات، كان مؤامرة أميركية، وكذلك أن ميخائيل غورباتشوف آخر رئيس للاتحاد السوفييتي الذي وقّع خطاب التنحي كان خائنًا وعميلاً للمخابرات الأميركية!

ابتسمت واعتقدت "بسذاجة" أن هناك خطأ ما أو أن لديه خلطًا في بعض المعلومات، ذلك أن هناك آراء متعددة بشأن انهيار الاتحاد السوفييتي، وإذا كانت هناك حرب باردة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، فقد كانت هناك أيضاً مشكلات حقيقية متجذّرة. فدولة مترامية الأطراف فيها قوميات ولغات عديدة، ويحكمها حزب واحد بالحديد والنار، وتفرض منهجًا اقتصاديًا واحدًا، هو الشيوعية، فلا بد أن تظهر فيها مشكلات وتناقضات كثيرة، وهذا الذي أدى إلى "البيريستريكا والغلاسنسوت"، ثم صراعات داخلية بين قادة الحزب الشيوعي، ثم فتح الباب أمام التعددية الحزبية في 1990، بعد ضغوط داخلية، ثم الانقلاب العسكري لبوريس يلتسن، وبدء استقلال روسيا عن الاتحاد السوفييتي، وتتابع استقلال الجمهوريات السوفييتية، انتهاء بتنحِّي غورباتشوف عن السلطة، وإنزال علم الاتحاد السوفييتي ورفع علم روسيا الاتحادية.
حاولت الشرح لصديقي أن الأمر ليس بهذه البساطة أن نزعم أن غورباتشوف ويلتسين كانا عميلين للمخابرات الأميركية، أو الزعم أن ثورات أوروبا الشرقية كانت كلها مؤامرة أميركية. نعم هناك مؤامرات ورغبة أميركية في السيطرة وتدمير أعدائها من وجهة نظرها. لكن، لماذا تتجاهلون العوامل الداخلية المتراكمة التي تتجمع إلى أن تنفجر فجأة نحو تغيير عنيف ومفاجئ؟
لم يبدُ أن صديقي انتبه لأي كلمة مما قلت، بل كان ينظر لي بسخرية، ويصرّ على رأيه، فهذا ما قاله له قادة عسكريون في ندوة تثقيفية في الكتيبة، ولا يمكن أن يكذبوا، أو يقولوا معلومات خاطئة.
ثم حدثت ثورة 25 يناير، وتحولت مواقف كثيرين طبقاً للمستجد، فبعد تنحّي مبارك تحول الذمّ وحديث المؤامرة الذي كان خلال الـ18 يومًا إلى مدح وفخر، أصبحنا شباب الثورة الطاهر، وأدى أعضاء المجلس العسكري التحية العسكرية لشهداء الثورة، وطلب رئيس المخابرات الحربية ورئيس الجمهورية حالياً مقابلتنا، واحتفى بنا في المقابلة أشد احتفاء، وقال: أنتم حققتم معجزة، وأبطلتم مشروع توريث الحكم.. وفعلتم ما لم نستطع فعله. وتغير كلام صديقي الضابط، وأصبح فخوراً بالثورة وبتحرّكاتي ومجهودي قبلها، وقال إنه كان لا بد من ثورة تسعى إلى التغيير والإصلاح... وبعد شهور، قابلت مصادفةً، وجدته تغيّر 180 درجة، مؤيداً للثورة ومدافعاً عن حتميتها، فمبارك الخائن العميل وابنه الفاسد وجميع الشلة الفاسدة كان لا بد أن يرحلوا. وبعد عام ونصف العام، عاد صديقي إلى الحديث عن المؤامرات، وكيف أن ثورة يناير كانت مؤامرة دولية من كل مخابرات العالم، من أجل تنصيب الإخوان المسلمين، وتقسيم مصر والمنطقة، انظر إلى الانفلات الأمني، انظر إلى الاقتصاد. ... سألت نفسي: كيف يغيرون مواقفهم بدرجة كاملة بهذه السرعة؟ هل يوزّعون عليهم هذه الآراء، لكي يحفظوها ويردّدوها. كيف يمكن للمرء أن يقتنع بنظريةٍ، ثم يقتنع بعكسها بعد عام، ثم يعود إلى النظرية الأولى، بمجرد صدور أوامر من القيادات. أصبح صديقى أشبه بالآلة التي يتم برمجتها، وعندما يتم تغيير "السوفت ويير" يتم تغيير القناعات بمنتهى السهولة.

قبل سنوات ليست بعيدة، دار نقاش بيني وبين أحد الضباط في أحد الأجهزة التي تدير مصر وتتحكّم في كل شيء، بشأن المجتمع المدني والتدريبات المزعومة، حاولت الحرث في البحر، ومحاولة الشرح أنها لم تكن تدريياتٍ مشبوهة كما يزعمون، ولم تكن للتدريب على كيفية قلب نظام الحكم وتدمير المؤسسات، وكل هذا الهراء والتخاريف التي تروّجه وسائل اﻹعلام بإيعاز منهم، وما الأمر سوى أن أفراداً سافروا إلى بعض دول أوروبا الشرقية، للتعرف على تجاربها في الإصلاح والتغيير، وكذلك بعد الثورات، كيف أسهمت الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان في التقدم والنهضة، وكيف استطاعوا، بعد الثورات، أن يحافظوا على النتائج، وكيف استطاعوا البناء في جو من الحريات ومشاركة الجميع بدون إقصاء.
لم يعجبه كلامي، وتحدث عن المؤامرات الكونية ضد مصر، و"سايكس بيكو" الثانية ومخطط التقسيم والجيل الرابع من الحروب، وانظر إلى العراق وسورية وليبيا واليمن، وكيف أن الغرب المتآمر يحاول استغلال المجتمع المدني والحركات الاجتماعية، مثل 6 أبريل، من أجل تدمير مصر، وأن للأجهزة الأمنية وحدها الحق في التعامل مع الغرب، ومنح الرخصة والتصريح لمن يرغب في التعامل مع المنظمات الدولية أو وسائل الإعلام الأجنبية. ثم سرد لي الأساطير التي يحاولون غسل دماغ الناس بها في وسائل الإعلام. والجديد أن هذا الضابط الكبير، وهو ممن يسهمون في اتخاذ القرار، والمفترض أنه على درجة كبيرة من الوعي والثقافة، فاجأني أن كل ثورات أوروبا الشرقية كانت مؤامرات أميركية، وأن تفكيك الاتحاد السوفييتي كان مؤامرة أميركية، وأن غورباتشوف كان خائنًا وعميلاً للولايات المتحدة!
حاولت، بسذاجة، أن أشرح ما شرحته، منذ سنوات، لصديقي أن انهيار الاتحاد السوفييتي كانت له أسباب كامنة متراكمة، لا ينكرها أحد الآن، كما أن لصدام حسين دوراً فيما حدث في العراق، وهو الذي أعطى الأميركان كل الفرص على طبق من ذهب، وكذلك نوري المالكي الذي اضطهد السنة وساعد على تغذية "داعش"، وأن لحافظ الأسد ثم بشار الدور الأساسى فيما يحدث في سورية، فقد استمر القمع والقتل والاضطهاد عقوداً، إلى أن كان حراك 2011 الذي طالب بالحرية والديمقراطية ومكافحة الفساد، لكن بشار استخدم العنف منذ اليوم الأول، ثم عمل بكتالوج أسلمة الثورة وإطلاق سراح الإرهابيين. وهناك معمر القذافي المجنون الذي دمر جيشه وفككه، في بداية حكمه، حتى لا ينقلبوا عليه، وماذا عن اللجان الشعبية ومخازن السلاح، وماذا عن الحفاظ على الجهل والقبلية والعصبوية؟ وماذا عن علي عبد الله صالح الذي تحالف مع إيران ضد شعبه، وماذا عن إيران وأطماعها الاستعمارية، وماذا عن الاستعمار الروسي الجديد؟

حاولت كذلك بالسذاجة نفسها الحديث عن الأسباب الداخلية والمتراكمة التي أدت إلى انهيار الاتحاد السوفييتي، ابتداء من تصاعد النزعات القومية، ثم الضغوط الداخلية للإصلاح الاقتصادي والسياسي، والشوق للحريات، ثم استقلال أوكرانيا من جانب واحد، ثم معاهدة 1991 التي وضعت الأساس القانوني لتفكيك الاتحاد السوفييتي، ثم، ....ثم.
إنه يردّد ما حفظه وتم تلقينه به، يستطيع، بمنتهى السهولة، ترديد الشيء وعكسه، حسب التعليمات، والتوجه العام لأولي الأمر. أقنع نفسه بالأكاذيب، ليستطيع إقناع الآخرين، حمايةً للحاكم، حماية لولي النعم، حماية للوظيفة والوضع والسلطة اللامتناهية، كل من لا يطبل ويبايع هو عدو للوطن، وكل من يعترض إرهابي متآمر، وكل من لا يتبع التعليمات هو أداة في يد الأعداء. ولكن من هم الأعداء المتآمرون؟ ترامب؟ نيتانياهو؟ فرانسوا هولاند؟ الغرب؟ اللوبي الصهيوني؟ أعداء لمن؟ متآمرون على من؟ أصدقاء لمن؟ حلفاء لمن؟
DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017