أولمبياد جنيف السوري

أولمبياد جنيف السوري

25 فبراير 2017
+ الخط -
تبقى قولة الاستراتيجي الألماني كلاوزفيتس "الحرب امتداد للسياسة لكن بوسائل أخرى" التعبير المقتضب، والوحيد الذي يمكن اقتباسه لوصف الاستعصاء السوري المديد، والكلام الأوضح لفهم موقف القوى الدولية والإقليمية الساعية إلى حل سياسي، بالاتكاء على وسائل عسكرية.
بات واضحاً أن شكل التمثيل المعارض في جنيف 4 يعكس زاوية النظر الدولية الجديدة للأزمة السوريّة، والتي هي خليط سياسي وعسكري، فقد سبق أن حاول المجتمع الدولي إخفاء العسكري (المعارض) لصالح السياسي من دون جدوى، فبموجب قواعد الحرب الدائرة، رضخ المجتمع الدولي إيّاه لفكرة وجوب أن يجلس العسكريون إلى جوار السياسيين، متجاوزاً بذلك الحالات السابقة، ولعل مفاوضات أستانة التي أنتجها التقارب الروسي – التركي شكّل همزة الوصل بين جنيف الفائت وجنيف الجاري، من حيث رسم شكل الوفد المعارض، وبالتالي طبيعة النقاشات العمليّة المتوقعة فيما خص الهدنة والأعمال العسكرية. ولا يجانب واحدنا الصواب في القول إن تحوّل قبول حضور المعارضة المسلحة ومشاركتها يمثّل، في أحد أوجهه، إغراءً روسياً مكشوفاً للفصائل المسلحة التي وصفتها موسكو يوماً بأنها "إرهابية"، لحضور محادثات جنيف 4، حيث عبّرت روسيا، صراحةً، بوجوب إشراك العسكريين من المعارضة في محادثات جنيف، بتمثيل صحيح إلى جوار السياسيين، ما شكّل ملمحاً جديداً في محاولة تفكيك الانسداد السياسي وحلحلته في الجولات السابقة من المفاوضات.
وفي ما يشبه قول نبوءة ما، عبّر المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، في مؤتمر ميونخ الأمني أواسط فبراير/ شباط الجاري، عن نظرته التشاؤمية بقوله إنه لا يستطيع القول إن محادثات جنيف ستنجح، وكذلك صراحته بشأن غموض الموقف الأميركي من الحل السلمي، وعدم إبداء رأي واضح إزاء الوضع الراهن، ما يعد من العقبات المنتظرة.
يبدو أن كثيرين أخطأوا في توصيف العلاقات الروسية - الأميركية بأنها تسير وفق إيقاع منضبط مع وجود إدارة ترامب، ويبدو أن كثيرين أفرطوا في تحليل مجريات مفاوضات أستانة ونتائجها بأنها محادثات روسية - تركية بقبول أميركي على مضض، فيما خص نتائجها، كان يحمل الاستعجال وإطلاق الأحكام المسبقة حول الدور الأميركي في سورية الذي لا يُفهم منه سوى العنوان الرئيسي، وهو محاربة تنظيم داعش، بينما تختفي باقي العناوين الأميركية، أو يصعب تقديرها.
يُفهم من الاستعجال الروسي رغبة موسكو الوصول إلى صيغ تضع حداً لدورها العسكري في سورية، وأنها تخشى عواقب استمرار الحرب التي دخلتها، فقد تحدث مفاجآت. لذا تتبدى الأولوية الروسية الآن في محاولة تفكيك القوى المعارضة المسلحة وفق ثنائية الثواب والعقاب، ووفق منطق تقسيم الفصائل المسلحة واحتوائها، يُضاف إلى ذلك عدم إصرار روسيا على إشراك المعارضة التي تتبع في هواها موسكو، كحال منصة موسكو، وغيرها من الأطراف المتكئة على الدعم الروسي، في مشهدٍ يؤكد أن أولوية موسكو في جنيف هو الحديث عن مسرح الأعمال العسكرية والهدنة وإعادة تحديد الفصائل التي يستوجب قتالها. في مقابل ذلك، يعكس التباطؤ الأميركي رغبة في عدم إخراج روسيا ظافرة على طاولة المحادثات، كما يرمي إلى تفكيك الروابط الروسية التركية الناشئة، لكن الهشة، إضافةً إلى حشر إيران في أضيق الزوايا الممكنة.
الغالب على الظن أنَّ "جنيف" لن يركّز على السير نحو تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 بعناوينه العريضة (شكل الحكم الأمثل، الدستور، الانتخابات) بقدر ما سيركّز على تثبيت وقف إطلاق النار الهش، وتوسعته، ليكون جنيف تكراراً لأستانة. وتبقى العقبات القديمة حاضرةً، فبموجب موقف أهل النظام سيتم الإصرار على بقاء الأسد وتحريم النقاش عن رحيله، وكذلك تحويل كل قرار "أممي" بخصوص الأزمة السورية إلى قرار "وطني"، أي أن مسائل الدستور والانتخابات يجب أن يقرّها السوريون بالطريقة التي يريدها النظام، ما سيسمح للنظام الإمعان في مسلكه القائم على تفريغ قرار مجلس الأمن 2254 من مضمونه، الأمر الذي سترفضه المعارضة مجدداً، لتبقى ورقة الهدنة الوحيدة القابلة للنقاش. ومع ذلك، لن يفوّت النظام الحديث عن مسائل محاربة "الإرهاب"، في مقابل مطلب المعارضة انسحاب المليشيات الطائفية المؤازرة للنظام وغيرها من نقاط سيحاول الطرفان تسجيلها وعدم التراجع عنها، مهما كلف الأمر.
ستبقى قاعدة "الحرب امتدادٌ للسياسة..." سارية إلى أن تقرّر السياسة وضع حدٍ للحرب. وإلى ذلك الحين، سيبقى السوريون الفريق الوحيد الخاسر، مهما تعددت المباحثات التي باتت كحال أولمبيادٍ يفوز فيها كل المتنافسين، بينما يبقى السوريُّ الخاسر الوحيد.
(كاتب سوري)