البشير في أبوظبي

البشير في أبوظبي

23 فبراير 2017
+ الخط -
أصبحت الزيارات الخارجية للرئيس السوداني عمر البشير، أخيرا، تستحوذ على حظٍ وافر من النقاشات والجدل، خصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي، فما أن تعلن الرئاسة السودانية أو وزارة الخارجية عن زيارة للرئيس إلى دولة ما حتى تجد شبابا ومهتمين عديدين يتساءلون عن جدوى زيارات البشير التي لا تكاد تتوّقف، إلا لفترات بسيطة بين زيارة وأخرى.
عمر البشير الذي لا تزال تحركاته الخارجية مقيّدة بمذكرة التوقيف التي أصدرتها محكمة العدل الدولية عام 2009، ينحصر نطاق جولاته في دول عربية إفريقية عديدة، نادراً ما يتخطاها. وأضيفت أخيراً إلى تلك الوجهات منطقة الخليج العربي عقب انضمام السودان إلى تحالف عربي بقيادة السعودية.
زار البشير المملكة العربية السعودية للمرّة العاشرة خلال عامين، وجاءت الزيارة، قبل أيام، بعد فترة من قرار رفع العقوبات الاقتصادية التي فرضتها واشنطن على الخرطوم بداية من 1997، كان لافتاً أنّ الحكومة السودانية وجّهت الشكر للسعودية والإمارات لدورهما في القرار الأميركي الذي قضى بتخفيف العقوبات الاقتصادية على حكومة البشير.
المحطة الأخرى التي نالت نصيباً مقدّراً من زيارات البشير الخارجية، هي دولة الإمارات، على الرغم من حساسية أبوظبي من جماعة الإخوان المسلمين التي تصنفها منظمة إرهابية، في وقت تُعتَبر فيه حكومة عمر البشير امتداداً لجماعة الإخوان، وإن خفّف نظام المؤتمر الوطني (الحاكم) من أيديولوجية الجماعة وأفكارها منذ العام 1999.
دخلت العلاقات بين الخرطوم وأبوظبي توّتراً واضحاً عندما أظهرت دولة الإمارات عدم رضاها عن سياسات نظام البشير عام 2013، حيث أصدر وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش بيانا انتقد فيه تعامل السلطات السودانية مع احتجاجات سبتمبر/ أيلول 2013، والتي اندلعت إثر قرار برفع دعم الوقود وسقط خلالها ما لا يقل عن 200 قتيل حسب تصريحات منظمات حقوقية دولية.
كانت الزيارة الأولى للبشير إلى الإمارات قبل حوالي عامين، حملت رسائل سياسية واقتصادية وعسكرية كثيرة بين البلدين، لمحاولة تطبيع العلاقات بعد مرحلة من الفتور والتوتر استمرت أعواماً، حيث تركزت المحادثات على العلاقات التجارية والاستثمارات، إلى جانب أوضاع العمالة السودانية. أما زيارة البشير الثانية، فقد تزامنت مع دعوات شبابية لعصيان مدني في السودان، تذمّراً من الأوضاع الاقتصادية المتردية، واختلفت الرؤى بشأن نجاحه من فشله، لكنه كان كفيلاً بالتشويش على زيارة الرئيس السوداني التي استمرت أياما، من دون نتائج ملموسة على أرض الواقع.
حظي البشير في زيارته أخيرا باستقبال لافت وتغطية إعلامية مضخمة، زيادة على تكريمه بأرفع وسام في دولة الإمارات (وسام زايد) اعترافاً بمشاركة السودان في التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن، وتشارك فيه دولة الإمارات. ولا يمكن فصل الاستقبال الحافل عن الوديعة التي ضختها أبوظبي، أخيراً، في بنك السودان المركزي، والتي بلغت نحو نصف مليار دولار، ما يشير إلى دخول العلاقات بين الدولتين مرحلة جديدة، تتغلب فيها لغة المصالح على الإيديولوجيات والخلافات.
إلا أنّ مصادر في حزب البشير لا تخفي هواجسها من تبعات هذا التقارب، وترى أنّه سيكون على حساب إحداث تغيير في الطابع الإخواني لنظام الخرطوم إرضاءً لأبوظبي التي لا تحبّذ صعود تيارات الإسلام السياسي، بينما يعتقد آخرون أنّ هناك تفاهمات تمّت بين الجانبين السوداني والإماراتي في موضوع حرب اليمن، تتولى بموجبه قوات سودانية مهمات قتالية على الأرض لصالح دولة الإمارات، أو تخفيف الوجود الميداني للجنود الإماراتيين.
أما وقد نجحت زيارة عمر البشير، فإنّ الشعب السوداني يتطلع إلى رؤية نتائج ملموسة على الأرض، تخفّف من وطأة التدهور الاقتصادي الذي لا تحسه الحكومة، ولا يشعر به منسوبوها، لكن ذلك يبدو حلماً بعيد المنال في ظل الفساد والبيروقراطية والتضارب بين الأجهزة الحكومية.
71F29908-DD1C-4C71-A77C-041E103F4213
71F29908-DD1C-4C71-A77C-041E103F4213
محمد مصطفى جامع
كاتب سوداني.
محمد مصطفى جامع