أي مغرب في ذكرى "20 فبراير"؟

أي مغرب في ذكرى "20 فبراير"؟

23 فبراير 2017

مغاربة يحيون في الرباط ذكرى "20 فبراير" السادسة (20/2/2017/الأناضول)

+ الخط -
حلت الذكرى السادسة لميلاد حركة 20 فبراير، الصيغة المحلية التي سجل بها المغاربة حضورهم في الحراك الذي شهده العالم العربي سنة 2011، والتي أدت إلى نسخة مغربية خالصة تعرف إعلاميا بـ "الاستثناء المغربي". وبتوالي السنوات، يزداد اليقين أن الأمر فعلا استثناء، ليس لجهة البداية وإطلاق شرارة الاحتجاج فقط، وإنما لجهة الإيقاف والإنهاء والوأد الذي تجري وقائع آخر فصوله منذ أشهر، ذلك لجهة التجاوب والتعاطي الرسمي والمؤسساتي معه. 

تعود هذه الذكرى على وقع مشهد مختلف قياساً إلى الأعوام السابقة، فاللعب أصبح على المكشوف، بعدما كان وراء الكواليس، والصغار قبل الكبار يعرفون أن الدولة العميقة عازمة على إغلاق هذا القوس "الربيع المغربي" الذي طال أمده. إذ يرى رعاة السلطوية في المغرب أن بقاء ذاك النزر اليسير من مكاسب حراك فبراير، يعني بقاء وهج يكون، على الدوام، مصدراً للقلاقل والإزعاج، خصوصا أنه يتجه إلى أن يتخذ طابعا عُرفيا يتم العمل به عند الضرورة؛ وكان آخرها الاحتجاج على وفاة بائع السمك في شمال المغرب (شهيد الحكرة محسن فكري). كما يشكو أخطبوط الريع داخل البلاد من تراجع عائدات الغنائم التي يجنيها من الامتيازات الممنوحة له باستغلال النفوذ أو التسيب وسوء التدبير الذي تعرفه قطاعات حيوية في المغرب، بسبب بعض الإصلاحات التي همت قطاعات اقتصادية، كانت مصدر اغتناء وكسب؛ مشبوه حتى لا نقول أكثر، بالنسبة لهذا الحلف.
مضاف إلى ذلك كله سياق إقليمي ودولي جد مناسب لسدنة المخزن، لإعادة ترتيب الأوراق، 
بوضع حد للاستثناء الذي يمثله النفس الإصلاحي؛ حتى وإن اختلفنا معه في تفاصيل كثيرة، والعودة إلى القاعدة، أي التحكم والاستبداد. فالظاهر أن العالم يعيش على وقع الردة عن الأفكار والقيم الديمقراطية؛ والقادم بهذا الشأن أسوأ على ما يبدو، لصالح أولويات أخرى، مثل الاستقرار والأمن والتنمية... وغير ذلك.
داخليا تتراكم المتغيرات ضد المنحى الإيجابي السائد على الصعيد الخارجي، لترسم مشهداً ملتبسا، أركانه الأساسية الخوف والتردّد والتذمر والاستياء مما وصلت إليه البلاد من ضبابية الرؤية وانسداد الأفق واستهتار مع تنامي نزعةٍ صبيانيةٍ في أوساط النخبة السياسية.
ربما من مصادفات التاريخ أو مكره أن النظام يعود اليوم إلى ممارسة نقيض تلك الشعارات التي صدحت بها حناجر المتظاهرين طوال سنة ونيف من الاحتجاج، وقصده من ذلك بث رسالة وحيدة مفادها أن موازين القوى السياسية التي اختلت بداية سنة 2011، وفرضت على المخزن؛ لأول مرة في تاريخه، تقديم تنازلات كبيرة تمت استعادتها اليوم من خلال الرهان على عنصر الزمن.
أليس شعار "لا للجمع بين الثروة والسلطة"، وهو أحد أشهر العبارات التي تردّدت في أزيد من 50 مدينة ومحافظة في المغرب، سببا مباشرا في أزمة تشكيل الحكومة التي تقترب من شهرها الخامس. بعيدا عن ركام التأويلات التي قدمت في معرض التبرير، تفسر المسألة ببساطة برغبة الحلف النافذ في الدولة بحضور ممثلين للدفاع على مصالح في الحكومة. ليس هذا جديداً بقدر ما أن الجديد فيه حول كيفية احتساب نسبة هذه التمثيلية، فرجال السياسة يستندون إلى نتائج صناديق الاقتراع لتحديدها، بينما يرى أصحابها أن وزنهم الاقتصادي هو ما يحدّد تلك النسبة، وليس وزنهم السياسي.
ما أكثر الإرادات التي أرادها الشعب المغربي في حراكه السلمي "الشعب يريد إسقاط الفساد"، "الشعب يريد إسقاط الاستبداد"، "الشعب يريد مغرباً جديداً"...، وما أقل ما بقي له اليوم من 
ذلك. فالسلطوية ممعنة في السحب التدريجي لما منحته تحت الضغط في عز الحراك المغربي، بتقنيات وأساليب ظاهرها شرعي وقانوني؛ في أغلب الأحيان، وباطنها انقلابٌ وتحايل واستبداد. أي معنى لإقرار دستور مع بقاء نسبة كبيرة من صلاحياته موقوفة التنفيذ؟ وأي جدوى لقاعدة الفصل بين المؤسسات مع العمل الدؤوب للوقيعة بينها والدفع في اتجاه الصراع (مثلا المؤسسة الملكية/ مؤسسة رئاسة الحكومة)؟ وأي فائدةٍ من تنظيم انتخابات وحملات وبهرجة... وما يرافق ذلك من تبذير للمال العمومي في حين أن النيات مبيتة على أن نتائجها لن تحترم إذا جاء عكس هوى الدولة العميقة ومن في فلكها؟
سجلت هذه الحركة؛ عكس حركة 2007 ذات الطابع شبه الرسمي، نجاحاً باهراً في قدرتها على إعادة ثقة الناس في السياسة، وخصوصا فئة الشباب الذين كانوا رمز هذه الحركة وقلبها النابض. لكن الاتجاه العام السائد داخل الأوساط السياسية، منذ انتخابات 7 أكتوبر/ تشرين الأول المنصرم، سائر نحو إفقاد اللعبة السياسية أي مصداقية، من خلال ممارسات تأتي على تلك البقية الباقية من الآمال لدى كل من آمن ذات يوم بالتغيير بالطرق السليمة وبطرق مشروعة ومن داخل المؤسسات، واضعا نصب أعينها إعادة ما حدث قبل حوالي عشر سنوات (انتخابات 2007) حين بلغ المغرب الدرجة صفر من الانحطاط السياسي.
إذا كان هذا مصير حركة 20 فبراير التي قيل إنها صيحة من الفئات الواعية في المجتمع، والقصد هنا الشباب المتعلم والمهتم والمتابع لما يجري من حوله، ممن لديه اهتمامات وقضايا وصاحب مواقف، وربما انتماء هوياتي عابر للحدود (حقوقي، بيئي،...) مما نجد له أثراً في خطابه ونضاله وسقف مطالبه، فكيف سيكون الأمر مع الفئات الهشّة التي قد تنفجر في أي لحظة. فقبل أيام كشفت أهم مؤسسة رسمية للإحصائيات في البلاد، المندوبية السامية للتخطيط، أن المغرب يحتضن برميل بارود يتقلب على نار هادئة، ونعني بذلك أزمة البطالة في صفوف الشباب. ويكفي دلالة على ذلك وجود أزيد من 1,5 مليون مغربي ومغربية أعمارهم أقل من 25 سنة "لا يعملون ولا يدرسون ولا يتابعون أي تكوين".
سؤال يطرح في ظل تنامي المؤشرات التي تكشف عن السعي نحو إنهاء الاستثناء المغربي، حتى ولو تطلب الأمر كسر هذا القوس وليس فقط إغلاقه. لكن على من يهرولون في هذا المنحى أن يتذكّروا أن "الجرة لا تسلم دائماً"، ولهم في التجارب الحديثة (الربيع العربي) والقديمة (أوروبا الشرقية وأميركا اللاتينية) ألف عبرة وعبرة للاتعاظ.
E5D36E63-7686-438C-8E11-321C2217A9C8
E5D36E63-7686-438C-8E11-321C2217A9C8
محمد طيفوري

كاتب وباحث مغربي في كلية الحقوق في جامعة محمد الخامس في الرباط. عضو مؤسس ومشارك في مراكز بحثية عربية. مؤلف كتاب "عبد الوهاب المسيري وتفكيك الصهيونية" و "أعلام في الذاكرة: ديوان الحرية وإيوان الكرامة". نشر دراسات في مجلات عربية محكمة.

محمد طيفوري