alaraby-search
  • الرئيسية
  • أخبار متفرقة
  • سياسة
    • سياسة - الرئيسية
    • أخبار
    • تقارير - عربي
    • تقارير - دولي
    • تحليلات
    • سيرة سياسية
    • ضيوف - مقابلات خاصة
    • إضاءات صحفية
    • قضية ورأي
  • اقتصاد
    • اقتصاد - الرئيسية
    • اقتصاد الناس
    • اقتصاد عالمي
    • اقتصاد عربي
    • أسواق
    • طاقة
    • مصارف
    • عقارات
    • إضاءات صحفية
    • إنفوغراف
    • فيديو
    • مواقف
  • مجتمع
    • مجتمع - الرئيسية
    • الخطوط الساخنة
    • شباب
    • المرأة والمجتمع
    • جامعات وطلاب
    • لجوء واغتراب
    • البيئة والناس
    • تعليق
    • الصحة والمجتمع
    • الجريمة والعقاب
    • تربية وتعليم
  • ميديا
    • ميديا - الرئيسية
    • حريات
    • رصد
    • تغريد
    • تكنولوجيا و موبايل
    • وقفة
  • تحقيقات
  • ثقافة
    • ثقافة - الرئيسية
    • آداب وأفكار
    • كتب
    • نصوص
    • وقفات
    • مفكرة المترجم
    • أصدقاء لغتنا
    • من وإلى
    • مواقف
    • مشهديات
    • سينما
    • مرئيات
    • سماعيات
    • أخبار الثقافة
  • رياضة
    • رياضة - الرئيسية
    • كرة عربية
    • كرة عالمية
    • رياضات اخرى
    • بعيدا عن الملاعب
  • منوعات
    • منوعات - الرئيسية
    • حدث
    • حول العالم
    • أفلام ومسلسلات
    • لايف ستايل
    • نجوم وفن
    • مواقف
  • مقالات
    • مقالات - الرئيسية
    • آراء
    • زوايا
    • قضايا
    • فضاء مفتوح
  • كاريكاتير
  • ملفات خاصة
  • صفحات متخصصة
    • ملحق فلسطين
    • جاليات
  • المدوّنات
    • جميع المدوّنات
    • امتاع ومؤانسة
    • مدوّنات مصورة
  • مرايا
  • English
  • ضفة ثالثة
  • android App
  • apple App
  • login
  • fullscreen
  • PDF
  • email
  • media
  • alaraby-Weather
  • facebook
  • twitter
  • youtube
  • google plus
  • instgram
  • rss
  • English
  • ضفة ثالثة
العربي الجديد
alaraby-widgeticon
alaraby-menubg
  • alaraby-logo
  • الرئيسية
  • سياسة
      • تهريب الكيميائي البلجيكي للأسد: الفضيحة ودفاع الحكومة عن نفسها

        تهريب الكيميائي البلجيكي للأسد: الفضيحة ودفاع الحكومة عن نفسها

      • البرلمان الإثيوبي يمنح الثقة لحكومة أبي أحمد

        البرلمان الإثيوبي يمنح الثقة لحكومة أبي أحمد

      • "خلل" يتسبب في استدعاء آلاف جنود الاحتياط في إسرائيل

        "خلل" يتسبب في استدعاء آلاف جنود الاحتياط في إسرائيل

      • أخبار
      • تقارير - عربي
      • تقارير - دولي
      • تحليلات
      • سيرة سياسية
      • ضيوف - مقابلات خاصة
      • إضاءات صحفية
      • قضية ورأي
  • اقتصاد
      • ليبيا تخسر 750 مليون دولار سنوياً جراء تهريب الوقود

        ليبيا تخسر 750 مليون دولار سنوياً جراء تهريب الوقود

      • برلماني روسي يدعو إلى الاستثمار بسورية قبل الصين وإيران

        برلماني روسي يدعو إلى الاستثمار بسورية قبل الصين وإيران

      • مصر: الوزراء يكسبون ثلث زيادة أجور الموازنة

        مصر: الوزراء يكسبون ثلث زيادة أجور الموازنة

      • اقتصاد الناس
      • اقتصاد عالمي
      • اقتصاد عربي
      • أسواق
      • طاقة
      • مصارف
      • عقارات
      • إضاءات صحفية
      • إنفوغراف
      • فيديو
      • مواقف
  • مجتمع
      • تحذيرات من المكملات الغذائية التي تحتوي على الشاي الأخضر

        تحذيرات من المكملات الغذائية التي تحتوي على الشاي الأخضر

      • زلزال بقوة 5.9 درجات يهز جنوب إيران

        زلزال بقوة 5.9 درجات يهز جنوب إيران

      • المجتمع الفلسطيني فتيّ بغالبيته

        المجتمع الفلسطيني فتيّ بغالبيته

      • الخطوط الساخنة
      • شباب
      • المرأة والمجتمع
      • جامعات وطلاب
      • لجوء واغتراب
      • البيئة والناس
      • تعليق
      • الصحة والمجتمع
      • الجريمة والعقاب
      • تربية وتعليم
  • ميديا
      • "يوتيوب" تعد صنّاع المحتوى بأدوات جديدة لكسب المال

        "يوتيوب" تعد صنّاع المحتوى بأدوات جديدة لكسب المال

      • سنودن يدعم "تيليغرام": طلبات الحكومة الروسية "استبدادية"

        سنودن يدعم "تيليغرام": طلبات الحكومة الروسية "استبدادية"

      • تزايد صور الاعتداءات على أطفال في مواقع البالغين الإباحية

        تزايد صور الاعتداءات على أطفال في مواقع البالغين الإباحية

      • حريات
      • رصد
      • تغريد
      • تكنولوجيا و موبايل
      • وقفة
  • تحقيقات
  • ثقافة
      • "ابن بطوطة للأدب الجغرافي": تسعة كتب من سلسلة

        "ابن بطوطة للأدب الجغرافي": تسعة كتب من سلسلة

      • "الطوائف المتخيلة": صوب تطوير نظرية عربية

        "الطوائف المتخيلة": صوب تطوير نظرية عربية

      • هكذا قالت القيروان

        هكذا قالت القيروان

      • آداب وأفكار
      • كتب
      • نصوص
      • وقفات
      • مفكرة المترجم
      • أصدقاء لغتنا
      • من وإلى
      • مواقف
      • مشهديات
      • سينما
      • مرئيات
      • سماعيات
      • أخبار الثقافة
  • رياضة
      • لاعب كروتوني يهز شباك يوفنتوس بهدف "أكروباتي"

        لاعب كروتوني يهز شباك يوفنتوس بهدف "أكروباتي"

      • رونالدو ينقذ ريال مدريد من الهزيمة بهدف بـ "الكعب"

        رونالدو ينقذ ريال مدريد من الهزيمة بهدف بـ "الكعب"

      • قائد منتخب البرازيل:" مونديال قطر سيكون تجربة كروية مذهلة"

        قائد منتخب البرازيل:" مونديال قطر سيكون تجربة كروية مذهلة"

      • كرة عربية
      • كرة عالمية
      • رياضات اخرى
      • بعيدا عن الملاعب
  • منوعات
      • أسباب "مجهولة" وراء إلغاء "مهرجان دبي السينمائي"

        أسباب "مجهولة" وراء إلغاء "مهرجان دبي السينمائي"

      • 7 أشياء ممنوعة على مضيفات الطيران

        7 أشياء ممنوعة على مضيفات الطيران

      • السجن لمصفف شعر تعمّد نقل فيروس نقص المناعة البشرية

        السجن لمصفف شعر تعمّد نقل فيروس نقص المناعة البشرية

      • حدث
      • حول العالم
      • أفلام ومسلسلات
      • لايف ستايل
      • نجوم وفن
      • مواقف
  • مقالات
      • إدارة ترامب والضربة العسكرية للنظام السوري وغياب استراتيجية أميركية

        إدارة ترامب والضربة العسكرية للنظام السوري وغياب استراتيجية أميركية

      • وباء الاستحمار منتشراً

        وباء الاستحمار منتشراً

      • غيوم فوق سماء المغرب الكبير

        غيوم فوق سماء المغرب الكبير

      • آراء
      • زوايا
      • قضايا
      • فضاء مفتوح
  • كاريكاتير
  • ملفات خاصة
  • صفحات متخصصة
      • ملحق فلسطين
      • جاليات
  • ملفات خاصة
  • المدوّنات
      • جميع المدوّنات
      • امتاع ومؤانسة
      • مدوّنات مصورة
  • مرايا
alaraby-search
الخميس 23/02/2017 م (آخر تحديث) الساعة 01:59 بتوقيت القدس 23:59 (غرينتش)
الطقس
errors

أخبار متفرقة

    • آراء

      زوايا

      قضايا

      فضاء مفتوح

    1. الصفحة الرئيسية :
    2. مقالات :
    3. قضايا :
  • ...
    • 0
    • 0
    • مشاركة
    • السابق

      التالي

مظاهرة في باريس تطالب بإطلاق سراح المعتقلين(18/2/2017/ فرانس برس) سلاماً أيها السوريون الشرفاء

سلاماً أيها السوريون الشرفاء

برهان غليون
23 فبراير 2017
برهان غليون
برهان غليون
أكاديمي سوري، أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة السوربون في باريس، أول رئيس للمجلس الوطني السوري المعارض، من مؤلفاته: "بيان من أجل الديمقراطية" و"اغتيال العقل" و"مجتمع النخبة".
  • أخبار مرتبطة

  • أهم الأخبار

  • 2018-4-19 غزة ــ العربي الجديد
    "الجبهة الشعبية" تقاطع دورة المجلس الوطني الفلسطيني

    "الجبهة الشعبية" تقاطع دورة المجلس الوطني الفلسطيني

    2018-4-19
    الأمم المتحدة تبحث مع النظام وروسيا ترتيبات أمنية لمفتشي الكيميائي إلى دوما
    very small video icon

    الأمم المتحدة تبحث مع النظام وروسيا ترتيبات أمنية لمفتشي الكيميائي إلى دوما

    2018-4-19 صالح النعامي
    الطائرات الورقية في غزة تشكل تحدياً أمنياً لإسرائيل

    الطائرات الورقية في غزة تشكل تحدياً أمنياً لإسرائيل

الأكثر مشاهدة

  • الأكثر مشاهدة

    مشاهدة تعليقاً إرسالاً
بعد تقرير استخدام الأسلحة الكيميائية وملف القتل الجماعي تحت التعذيب لآلاف المعتقلين في سجون النظام السوري التي كشفها مصور الجيش الشرعي، وقدّم عنها أكثر من 50 ألف صورة، اعترفت المنظمات الدولية الإنسانية بأصالتها، جاء تقرير منظمة العفو الدولية، الأسبوع الماضي، عن سجن صيدنايا، ليؤكد أن ما سمته "المسلخ البشري" لا ينطبق على هذا السجن وحده، وإنما يشمل سجون سورية بأكملها. وردا على تكذيب النظام وحماته من الروس التقرير ، تحدت "العفو الدولية" نظام الأسد بالسماح لها بزيارة السجون، للكشف عن حقيقة ما يجري فيها. وجاء الجواب على لسان بشار الأسد، صاحب المسلخ البشري ذاته، بأن سورية ترفض السماح بزيارة منظمات أجنبية سجونها.

هندسة الموت السورية
وبينما يغذّي التفاهم الدولي على احتواء عواقب المأساة السورية الأمل ببدء مفاوضاتٍ لن تكون بالتأكيد سهلة، لكنها صارت حتمية للخروج من المذبحة المستمرة منذ ست سنوات، تشكل قضية المعتقلين الذين يتراوح عددهم، حسب تقديرات المنظمات الإنسانية بين مئتي ألف وثلاثمئة ألف، أغلبيتهم الساحقة من المدنيين الذين تم اعتقال معظمهم على سبيل الإرهاب والترويع، ملفا رئيسيا وحاسما في هذه المفاوضات. ليس ذلك لما يمثله إنقاذ حياة أكثر هؤلاء، أو على الأقل من لايزال على قيد الحياة منهم، من مصيرهم المحتوم، ولا انسجاما مع مبادئ الحق والأخلاق التي تفرض علينا التضامن ضد أفعال منافية للإنسانية، وحاطة من قيم مجتمعاتنا وسلامتها، وإنما أكثر من ذلك لحماية السوريين والأجيال القادمة من احتمال أن تبقى الجريمة من دون عقاب، ويبقى المجرم طليقا ومستعدا للعودة إلى جرائمه، في وقتٍ تسعى أطرافٌ من المجتمع الدولي إلى تجنيبه أي عقاب، وإعادة تأهيله ليكون شريكا رئيسيا في عملية السلام، والخروج من لهيب الحرب الذي كان وراء إشعالها لمعاقبة السوريين على تظاهرات احتجاجهم.
لن يستطيع السوريون، مهما عظمت روح التسامح بينهم، تجاوز الصدمة التي سببتها تلك الأشكال غير المسبوقة من القتل الجماعي الذي يكشف عن هندسةٍ كاملةٍ للموت، مع مخططات للإبادة المنهجية بدم بارد ومع سابق تصميم. ولا تفيد التغطية على ما حصل في تجاوز هذه الصدمة، ولن تساعد على الخروج منها.
الحقيقة وحدها هي التي تشكل مدخلا للمصالحة، بمقدار ما تشكل اعترافا بالجريمة، وكشفا عن فظاعتها، وتحمل المسوؤلية السياسية والقانونية والأخلاقية.
ليس الجلادون الذين مارسوا أفعال التعذيب حتى الموت والقتل الجماعي والتمثيل بالجثث، هم
وحدهم الذين كانوا يتلذّذون بشرب دماء ضحاياهم، ويتحملون مسؤولية الكارثة الإنسانية. يشاركهم في المسؤولية، كما في المتعة السادية، معلّموهم ومن أعطوا الأوامر لهم والتعليمات، وأولئك الذين دعموهم بكل الوسائل، داخل سورية وخارجها، لكن أيضا أولئك الذين صمتوا، وغضوا النظر، واعتبروا أن الأمر لا يعنيهم، أو ليس من شؤونهم. إلى هؤلاء الأخيرين بشكل خاص، وهم أي أحد، أريد أن أنقل هذه الشهادة الاستثنائية التي تغلبت على هندسة الموت، وخرجت إلى العلن، وكان من المفروض أن تبقى مخنوقةً إلى الأبد.
ليس لأي فردٍ منا حصانة في مواجهة نظام البريرية، ولا ضمانة كي لا نكون نحن أيضا في أي وقت أحد ضحاياه. إذا كانت لدينا أي إرادة للخروج من الكارثة، والعودة إلى مصاف الإنسانية، لا يمكن أن نتجاهل هذه الشهادة التي خرجت من داخل فرع التحقيق للمخابرات الجوية في مطار المزة، قرب دمشق، لا يقل شناعةً في تعامله مع السوريين عن سجن صيدنايا الدموي.

سأرتدي ملامحكم يا رفاق العذاب
كتب شاهد باسم وائل الزهراوي باسمه الصريح:
مضى يومان، وأنا مشبوح في غرفة الموت، والأصفاد كانت قد دخلت في لحم يدي، عندما أدخلوا ذاك الرجل الأربعيني بالأمس فجراً عارياً من كل شيء.
علقوه بالسقف من رجليه على غير عادتهم. كان يرتعد بشدة، لقد أدرك، بحكم أنه ضابط، ما الذي سيفعلونه به بعد قليل، دخل اثنان منهم يحملان كبلين للدبابات، وتبعهم واحدٌ منهم، يحمل قطعةً من سلك معدني شائك من النوع الذي نراه على الحدود بين الدول.
أمسكه أحدهم من شعره، وقال له .شو، سيادة المقدم، بحياتك شفتو لـ الله؟ هلق بدك تشوفو شخصي.
كانت عيونه تبكي، من دون أن يحركَ ملامح وجهه. يبكي بكبرياء لم أر مثلها في كل لحظات اللقاء مع الموت. كنت عاجزاً إلى درجة أني لم أستطع حتى البكاء معه.
أمسك المساعد السلك الشائك، وبدأ يلفهُ حول كبل الدبابة، حتى غطى كامل الكبل، فصار شكل الكبل مع الأسلاك الشائكة كوجه الموت الزؤام. وكنت قد سمعت عن آلة لِحام الحديد، ورأيت أناساً أحرقوهم بماكينة لحم الحديد. لكني لم أكن قد رأيتها أبداً قبل تلك الليلة.
دخل أحدهم، وأدخل معه آلة اللِحام. وصلها بالكهرباء. بدأت أرتجف. وكانت حركتي تزيد ألمي، لأن الأصفاد كانت تحتك بلحم يديَّ.
كبلوا له يديه للخلف. كانت أول ضربةٍ هوت على جسده العاري بالكبل الذي كانوا قد وضعوا عليه السلك الشائك، فصرخ صوتاً كأن الأرض قد صرخت معه. وفي كل ضربةٍ كانت تقع على ظهره، كانت الأشواك الحديدية تنغرس بجسده، فيشدّها المساعد المسخ، مقتلعاً بها كل ما تحمله معها من لحمه الطاهر.
وعندما كان الكبل ذو الأسلاك الشائكة يصادف معدته، كانت الأشواك الحديدية تغوص بلحمه، إلى درجة أن المساعد كان يشدّها مرتين، لتخرج وتأخذ معها قطعاً من جسده الذي كان كالوطن، يعطيهم دمه وأجزاءه، وهم يقطّعونه بأيديهم.
اقترب المساعد الثاني، وطعنه بآلة لحام الحديد، فثقب له كتفه كلها، فبدأ يتقيأ دماً. وكأن مشهد الدم كان يغريهم، فزادوا عليه بالكبل على كل أنحاء جسده، وهو يصرخ: يالله يالله مالي سواك يالله، يالله ساعدني، يارب. ولازلت أسمع صوته حتى هذه اللحظ … اقترب المسخ بآلة اللِحام، وطعنه بكتفه الثانية بقضيب اللحام، فثقب له كتفه الأخرى. فأغمي عليه، وصمت تماما.
ذهب أحدهم، وعاد ومعه عصا الكهرباء. كان المسؤول عن التعذيب هو المساعد أول نصر
إسبر. قال لهم: يالله، صَحوه... ما بيطلع من هون غير عالقبر. بدي صوتوا يوصل لعند الله. بدي جربها على هادا سيدي. كنت أقرب معتقل له. نظر في عيني وقال:
إذا بتراجع وبتوسخ الأرض بعدمك هون، فهمت ولا كلب (يا كلب)، لسا بروح وبرجع بشوفك بخلقتي. ما بقى تموت ولا حيوان.
كنت أنتفض، وأنا معلق وأرجوه ألا يفعل. لم أترك شيئاً لم أتوسل به له، لكن القدر أبى إلا أن أواجه مصيري في ذاك اليوم. ضحك واقترب مني وصعقني بها في ركبتيّ. أردت أن أصرخ، لكن شيئاً ما شَلَّ فمي. شعرت كأن أحداً ما أدخل سكيناً في نقي عظامي، وكأن قلبي قد انفجر، وتجمدت عيناي، ولم أعد أرى بهما. كانت الثواني تمر كأنها سنوات. وجاء الألم أقسى من الجوع، وأعمق من الطعن، وأبعد بكثير من قدرة البكاء.
يا وطناً يحكمه الغرباء.
شهقت ولم أعد أقوى على التنفس. فبدأ يصفعني على وجهي. حتى عدت وشهقت من جديد. سمعته يقول لي: طلع (أنظر) فيني هون ولاك، طلع فيني هون. لم أكن أراه، حتى أنظر إليه. كنت ألتفت إلى الجهة الخطأً، فيصحح لي جهة رأسي بالكبل الذي أمسكه بيده الأخرى.
سألني" شو اسمك، شو اسمك ولاك عرصى؟ قلت له: أنا الرقم 1646 سيدي.
قال بعرف، بس شو اسمك ولاك، احكي:
قلت له: وائل سيدي، وائل الزهراوي سيدي. فقال أيوه، وهي لسّاك (ما زلت) متذكر اسمك. أنا، أصلا، كل الدارسين حقوق بحبن... .ثم أمسك الكبل الذي يقطر من دم المقدم، ومسحه برأسي، يريد أن ينظفه، وقال لي: أصلا كلكن دمكن متل بعض، دم وسخ.
وكم كان ما فعله عظيما، وكم كان فعلاً جميلاً من مسخ قبيح لا يعي كل ما أشعر به أبدا. وكم فرحت أني أحمل بعضاً من دم ذاك الضابط الشهيد. فقطرات الدم تلك تساويهم جميعاً عندي. وفي عمق ذاك الألم، كنت أتساءل عما يشعر به، وربع لحم جسده قد وقع تحت رأسه.
سكبوا على المقدم وعاءً من الماء. وما إن بدأ يصحو حتى صعقه المسخ بعصا الكهرباء في ظهره الذي لم يبق فيه جلد يغطي عموده الفقري. وزادوا عليه بكبل الدبابة. وبدأوا يضربونه على رأسه، والكبل الملفوف بالأسلاك الشائكه اقتلع نصف فروة جمجمته.

يا وطناً سقيتك من دمي
يا كل بقع الدم اصرخي. يا أيتها الجدران تكلمي، أخبري كل هذا العالم ماذا جرى هناك، وماذا فعلوا بنا.
يا وطناً سقيتك من دمي، وأعطيتك من لحمي وتقاسموك كالغنيمة، يا هتافاتنا التي كنت أرى
فيها الحرية والإباء: أين اختفيت أين أين؟ وما لن أنساه حتى ما بعد الموت. كيف حاول في آخر لحظات حياته أن يثني جسده ويصل إلى الأصفاد التي كان معلقا بها. كانت عيناه قد عميتا وورمتا إلى درجةٍ لا توصف. ومع ذلك، يريد أن ينجو. بصق نصف أضراسه تحت رأسه. يحاول أن يقاوم الموت القادم لا محالة. ولكن. هيهات هيهات. ولات حين مناص.
ثقبوا له فخذه، وانغرس قضيب اللحام في عظامه، وأثقلوه بالكبل ذي السلك الشائك في أماكن الثقوب، وعلى رأسه، حتى غابت كل ملامحه، كما يغيب الوطن خلف أحقاب القهر، وكما يغيب الضوء، عندما ينتصر الظلام، وكما كنت أستسلم للموت، وأدعوه أن يأخذني من هناك ويأبى.
ورأيته كيف كان ُيمطر الأرض دماً، كأنه ينتقم من ظلمهم بنزفه. وشعرت أن الكون كله يمطر دماً. كان صوت تساقط دمه يشبه صوت ارتطام أكداس الجثث، حين كانوا يرمونها فوق بعضها، جثث أبناء الوطن.
المقدم الطيار 20/31، هذا رقمه واسمه وتاريخه وبطولاته وأطفاله وحياته. صرخ بكل قوته، ثم أسلم الروح هناك. هناك حين كنا نحب بعضنا إلى درجة أننا ندفن معاً في مقابر جماعية.
بعد ساعة، كان دمه قد ملأ الغرفة. فكّوا أصفاده، فوقع على الأرض جثةً لا يتحرّك. وسحبوه من رجليه، ليكون رقماً بين مئات الأرقام التي هي جبين الوطن وعزته وشرفه ورائحته.
في صباح اليوم التالي، أنزلوني. لم أكن أشعر بيدي، ولا أستطيع التحكم بكتفيّ مطلقاً. لبست سروالي الداخلي بعد سبعة عشر يوماً قضيتها عارياً. أدخلوني للجماعية الرابعة زنزانة المرضى.
عندما دخلت غرفة المرضى، كان عددنا 89 شاباً سورياً. بعد عشرة أيام، أصبحنا 62. البقية قدموا أرواحهم لكم ورحلوا. تركوا لكم كل أحلامهم وصرخاتهم ورسائلهم ودمائهم ونظراتهم قبل الموت. وهبوكم أغلى ما لديهم واستشهدوا تحت التعذيب.
لعل الأمل فيكم لا يخيب.
ومن كان صاحب حقلٍ، فلا يتسول حفنة طحين. وبعد كل تلك الأرواح، كيف يمكن أن نتخيل أن هناك سورياً حراً يمكن أن يساوم على الدم، أو يقايض على العذاب.
وبعد أن كنت هناك، ما الذي يمكن أن يبقى من حياتي سوى أن أخلص لأولئك الأحرار في أغلالهم.
سأرتدي ملامحكم، يا رفاق العذاب. سلاما عليكم أيها الشهداء الأحياء. سلاماً أيها السوريون الشرفاء.
الضابط الذي أشرف على هذه الأعمال لا يزال يمارس هوايته الدموية بانتظام في السجون السورية.
  • مشاركة
  • 0
  • 0
  • 0
  • print
دلالات: منظمة العفو الدولية "المسلخ البشري" سجن صيدنايا القتل الجماعي العودة إلى القسم

مقالات أخرى للكاتب

مؤتمر الرياض.. أي خيارات استراتيجية عربية للمستقبل؟
25 مايو 2017 | ما كان في وسع طهران، ولا غيرها، أن تعبث بالأمن والاستقرار والتماسك الوطني لشعوب المنطقة العربية، لو لم تجد في هذه الشعوب والبلدان عوامل التفسخ والفساد والضعف وعجز النخب عن إدارة شؤون مجتمعاتها وحكمها وقيادتها بطريقة ناجعة.
المعارضة السورية أمام معركة مصيرها
10 مايو 2017 | أوحى اتفاق أستانة "خفض التصعيد" في مناطق في سورية للعالم أننا لم نعد أمام قضية ثورة ضد نظام دموي، ولا حتى في مواجهة حرب أهلية شرسة، وإنما أمام دول ثلاث تنسّق لتمكين السلطة المركزية للدولة من استعادة سيطرتها على المعارضة.
رأب الصدع بين العرب والكرد
29 أبريل 2017 | لماذا لم يتمكّن العرب والكرد من إيجاد لغة سياسية مشتركة، وبالتالي برنامج سياسي للتغيير في الإطار الديمقراطي؟ هل ما يجري اليوم هو خيار الشعب الكردي أم النخب الكردية؟ وهل حق الشعوب في تقرير مصيرها هو الحل للمسألة الكردية في سورية؟
أصل فساد القيادة وتهافتها في سورية والدول العربية
9 أبريل 2017 | لأن الثورة لا يمكن أن تستمر من دون مراجعة نفسها وإصلاح أخطائها، ينطلق الكاتب برهان غليون في مقاربته النقدية هذه من "تعليق" حاد لأحد السوريين على صفحته على "فيسبوك"، ليفتح باب النقد حول الثورة و"قياداتها" والجماهير الثائرة.
المزيد

التعليقات

شكراً لك ،
إغلاق
التعليقات الواردة من القراء تعبر عن آرائهم فقط، دون تحمل أي مسؤولية من قبل موقع "العربي الجديد" الالكتروني
alaraby-commentsloading

التعليقات ()

    المزيد

    انشر تعليقك عن طريق

    • زائر
    • فيسبوك alaraby - facebook - comment tabs loding
    • تويتر alaraby - Twitter - comment tabs loding
    تبقى لديك 500 حرف
    الحقول المعلّمة بـ ( * ) إلزامية
    إرسالك التعليق تعني موافقتك على اتفاقية استخدام الموقع
    أرسل
    برهان غليون
    برهان غليون
    كاتب
    برهان غليون
    سلاماً أيها السوريون الشرفاء
    مظاهرة في باريس تطالب بإطلاق سراح المعتقلين(18/2/2017/ فرانس برس) سلاماً أيها السوريون الشرفاء
    برهان غليون
    قضايا
    0
    23 فبراير 2017
    بعد تقرير استخدام الأسلحة الكيميائية وملف القتل الجماعي تحت التعذيب لآلاف المعتقلين في سجون النظام السوري التي كشفها مصور الجيش الشرعي، وقدّم عنها أكثر من 50 ألف صورة، اعترفت المنظمات الدولية الإنسانية بأصالتها، جاء تقرير منظمة العفو الدولية، الأسبوع الماضي، عن سجن صيدنايا، ليؤكد أن ما سمته "المسلخ البشري" لا ينطبق على هذا السجن وحده، وإنما يشمل سجون سورية بأكملها. وردا على تكذيب النظام وحماته من الروس التقرير ، تحدت "العفو الدولية" نظام الأسد بالسماح لها بزيارة السجون، للكشف عن حقيقة ما يجري فيها. وجاء الجواب على لسان بشار الأسد، صاحب المسلخ البشري ذاته، بأن سورية ترفض السماح بزيارة منظمات أجنبية سجونها.

    هندسة الموت السورية
    وبينما يغذّي التفاهم الدولي على احتواء عواقب المأساة السورية الأمل ببدء مفاوضاتٍ لن تكون بالتأكيد سهلة، لكنها صارت حتمية للخروج من المذبحة المستمرة منذ ست سنوات، تشكل قضية المعتقلين الذين يتراوح عددهم، حسب تقديرات المنظمات الإنسانية بين مئتي ألف وثلاثمئة ألف، أغلبيتهم الساحقة من المدنيين الذين تم اعتقال معظمهم على سبيل الإرهاب والترويع، ملفا رئيسيا وحاسما في هذه المفاوضات. ليس ذلك لما يمثله إنقاذ حياة أكثر هؤلاء، أو على الأقل من لايزال على قيد الحياة منهم، من مصيرهم المحتوم، ولا انسجاما مع مبادئ الحق والأخلاق التي تفرض علينا التضامن ضد أفعال منافية للإنسانية، وحاطة من قيم مجتمعاتنا وسلامتها، وإنما أكثر من ذلك لحماية السوريين والأجيال القادمة من احتمال أن تبقى الجريمة من دون عقاب، ويبقى المجرم طليقا ومستعدا للعودة إلى جرائمه، في وقتٍ تسعى أطرافٌ من المجتمع الدولي إلى تجنيبه أي عقاب، وإعادة تأهيله ليكون شريكا رئيسيا في عملية السلام، والخروج من لهيب الحرب الذي كان وراء إشعالها لمعاقبة السوريين على تظاهرات احتجاجهم.
    لن يستطيع السوريون، مهما عظمت روح التسامح بينهم، تجاوز الصدمة التي سببتها تلك الأشكال غير المسبوقة من القتل الجماعي الذي يكشف عن هندسةٍ كاملةٍ للموت، مع مخططات للإبادة المنهجية بدم بارد ومع سابق تصميم. ولا تفيد التغطية على ما حصل في تجاوز هذه الصدمة، ولن تساعد على الخروج منها.
    الحقيقة وحدها هي التي تشكل مدخلا للمصالحة، بمقدار ما تشكل اعترافا بالجريمة، وكشفا عن فظاعتها، وتحمل المسوؤلية السياسية والقانونية والأخلاقية.
    ليس الجلادون الذين مارسوا أفعال التعذيب حتى الموت والقتل الجماعي والتمثيل بالجثث، هم
    وحدهم الذين كانوا يتلذّذون بشرب دماء ضحاياهم، ويتحملون مسؤولية الكارثة الإنسانية. يشاركهم في المسؤولية، كما في المتعة السادية، معلّموهم ومن أعطوا الأوامر لهم والتعليمات، وأولئك الذين دعموهم بكل الوسائل، داخل سورية وخارجها، لكن أيضا أولئك الذين صمتوا، وغضوا النظر، واعتبروا أن الأمر لا يعنيهم، أو ليس من شؤونهم. إلى هؤلاء الأخيرين بشكل خاص، وهم أي أحد، أريد أن أنقل هذه الشهادة الاستثنائية التي تغلبت على هندسة الموت، وخرجت إلى العلن، وكان من المفروض أن تبقى مخنوقةً إلى الأبد.
    ليس لأي فردٍ منا حصانة في مواجهة نظام البريرية، ولا ضمانة كي لا نكون نحن أيضا في أي وقت أحد ضحاياه. إذا كانت لدينا أي إرادة للخروج من الكارثة، والعودة إلى مصاف الإنسانية، لا يمكن أن نتجاهل هذه الشهادة التي خرجت من داخل فرع التحقيق للمخابرات الجوية في مطار المزة، قرب دمشق، لا يقل شناعةً في تعامله مع السوريين عن سجن صيدنايا الدموي.

    سأرتدي ملامحكم يا رفاق العذاب
    كتب شاهد باسم وائل الزهراوي باسمه الصريح:
    مضى يومان، وأنا مشبوح في غرفة الموت، والأصفاد كانت قد دخلت في لحم يدي، عندما أدخلوا ذاك الرجل الأربعيني بالأمس فجراً عارياً من كل شيء.
    علقوه بالسقف من رجليه على غير عادتهم. كان يرتعد بشدة، لقد أدرك، بحكم أنه ضابط، ما الذي سيفعلونه به بعد قليل، دخل اثنان منهم يحملان كبلين للدبابات، وتبعهم واحدٌ منهم، يحمل قطعةً من سلك معدني شائك من النوع الذي نراه على الحدود بين الدول.
    أمسكه أحدهم من شعره، وقال له .شو، سيادة المقدم، بحياتك شفتو لـ الله؟ هلق بدك تشوفو شخصي.
    كانت عيونه تبكي، من دون أن يحركَ ملامح وجهه. يبكي بكبرياء لم أر مثلها في كل لحظات اللقاء مع الموت. كنت عاجزاً إلى درجة أني لم أستطع حتى البكاء معه.
    أمسك المساعد السلك الشائك، وبدأ يلفهُ حول كبل الدبابة، حتى غطى كامل الكبل، فصار شكل الكبل مع الأسلاك الشائكة كوجه الموت الزؤام. وكنت قد سمعت عن آلة لِحام الحديد، ورأيت أناساً أحرقوهم بماكينة لحم الحديد. لكني لم أكن قد رأيتها أبداً قبل تلك الليلة.
    دخل أحدهم، وأدخل معه آلة اللِحام. وصلها بالكهرباء. بدأت أرتجف. وكانت حركتي تزيد ألمي، لأن الأصفاد كانت تحتك بلحم يديَّ.
    كبلوا له يديه للخلف. كانت أول ضربةٍ هوت على جسده العاري بالكبل الذي كانوا قد وضعوا عليه السلك الشائك، فصرخ صوتاً كأن الأرض قد صرخت معه. وفي كل ضربةٍ كانت تقع على ظهره، كانت الأشواك الحديدية تنغرس بجسده، فيشدّها المساعد المسخ، مقتلعاً بها كل ما تحمله معها من لحمه الطاهر.
    وعندما كان الكبل ذو الأسلاك الشائكة يصادف معدته، كانت الأشواك الحديدية تغوص بلحمه، إلى درجة أن المساعد كان يشدّها مرتين، لتخرج وتأخذ معها قطعاً من جسده الذي كان كالوطن، يعطيهم دمه وأجزاءه، وهم يقطّعونه بأيديهم.
    اقترب المساعد الثاني، وطعنه بآلة لحام الحديد، فثقب له كتفه كلها، فبدأ يتقيأ دماً. وكأن مشهد الدم كان يغريهم، فزادوا عليه بالكبل على كل أنحاء جسده، وهو يصرخ: يالله يالله مالي سواك يالله، يالله ساعدني، يارب. ولازلت أسمع صوته حتى هذه اللحظ … اقترب المسخ بآلة اللِحام، وطعنه بكتفه الثانية بقضيب اللحام، فثقب له كتفه الأخرى. فأغمي عليه، وصمت تماما.
    ذهب أحدهم، وعاد ومعه عصا الكهرباء. كان المسؤول عن التعذيب هو المساعد أول نصر
    إسبر. قال لهم: يالله، صَحوه... ما بيطلع من هون غير عالقبر. بدي صوتوا يوصل لعند الله. بدي جربها على هادا سيدي. كنت أقرب معتقل له. نظر في عيني وقال:
    إذا بتراجع وبتوسخ الأرض بعدمك هون، فهمت ولا كلب (يا كلب)، لسا بروح وبرجع بشوفك بخلقتي. ما بقى تموت ولا حيوان.
    كنت أنتفض، وأنا معلق وأرجوه ألا يفعل. لم أترك شيئاً لم أتوسل به له، لكن القدر أبى إلا أن أواجه مصيري في ذاك اليوم. ضحك واقترب مني وصعقني بها في ركبتيّ. أردت أن أصرخ، لكن شيئاً ما شَلَّ فمي. شعرت كأن أحداً ما أدخل سكيناً في نقي عظامي، وكأن قلبي قد انفجر، وتجمدت عيناي، ولم أعد أرى بهما. كانت الثواني تمر كأنها سنوات. وجاء الألم أقسى من الجوع، وأعمق من الطعن، وأبعد بكثير من قدرة البكاء.
    يا وطناً يحكمه الغرباء.
    شهقت ولم أعد أقوى على التنفس. فبدأ يصفعني على وجهي. حتى عدت وشهقت من جديد. سمعته يقول لي: طلع (أنظر) فيني هون ولاك، طلع فيني هون. لم أكن أراه، حتى أنظر إليه. كنت ألتفت إلى الجهة الخطأً، فيصحح لي جهة رأسي بالكبل الذي أمسكه بيده الأخرى.
    سألني" شو اسمك، شو اسمك ولاك عرصى؟ قلت له: أنا الرقم 1646 سيدي.
    قال بعرف، بس شو اسمك ولاك، احكي:
    قلت له: وائل سيدي، وائل الزهراوي سيدي. فقال أيوه، وهي لسّاك (ما زلت) متذكر اسمك. أنا، أصلا، كل الدارسين حقوق بحبن... .ثم أمسك الكبل الذي يقطر من دم المقدم، ومسحه برأسي، يريد أن ينظفه، وقال لي: أصلا كلكن دمكن متل بعض، دم وسخ.
    وكم كان ما فعله عظيما، وكم كان فعلاً جميلاً من مسخ قبيح لا يعي كل ما أشعر به أبدا. وكم فرحت أني أحمل بعضاً من دم ذاك الضابط الشهيد. فقطرات الدم تلك تساويهم جميعاً عندي. وفي عمق ذاك الألم، كنت أتساءل عما يشعر به، وربع لحم جسده قد وقع تحت رأسه.
    سكبوا على المقدم وعاءً من الماء. وما إن بدأ يصحو حتى صعقه المسخ بعصا الكهرباء في ظهره الذي لم يبق فيه جلد يغطي عموده الفقري. وزادوا عليه بكبل الدبابة. وبدأوا يضربونه على رأسه، والكبل الملفوف بالأسلاك الشائكه اقتلع نصف فروة جمجمته.

    يا وطناً سقيتك من دمي
    يا كل بقع الدم اصرخي. يا أيتها الجدران تكلمي، أخبري كل هذا العالم ماذا جرى هناك، وماذا فعلوا بنا.
    يا وطناً سقيتك من دمي، وأعطيتك من لحمي وتقاسموك كالغنيمة، يا هتافاتنا التي كنت أرى
    فيها الحرية والإباء: أين اختفيت أين أين؟ وما لن أنساه حتى ما بعد الموت. كيف حاول في آخر لحظات حياته أن يثني جسده ويصل إلى الأصفاد التي كان معلقا بها. كانت عيناه قد عميتا وورمتا إلى درجةٍ لا توصف. ومع ذلك، يريد أن ينجو. بصق نصف أضراسه تحت رأسه. يحاول أن يقاوم الموت القادم لا محالة. ولكن. هيهات هيهات. ولات حين مناص.
    ثقبوا له فخذه، وانغرس قضيب اللحام في عظامه، وأثقلوه بالكبل ذي السلك الشائك في أماكن الثقوب، وعلى رأسه، حتى غابت كل ملامحه، كما يغيب الوطن خلف أحقاب القهر، وكما يغيب الضوء، عندما ينتصر الظلام، وكما كنت أستسلم للموت، وأدعوه أن يأخذني من هناك ويأبى.
    ورأيته كيف كان ُيمطر الأرض دماً، كأنه ينتقم من ظلمهم بنزفه. وشعرت أن الكون كله يمطر دماً. كان صوت تساقط دمه يشبه صوت ارتطام أكداس الجثث، حين كانوا يرمونها فوق بعضها، جثث أبناء الوطن.
    المقدم الطيار 20/31، هذا رقمه واسمه وتاريخه وبطولاته وأطفاله وحياته. صرخ بكل قوته، ثم أسلم الروح هناك. هناك حين كنا نحب بعضنا إلى درجة أننا ندفن معاً في مقابر جماعية.
    بعد ساعة، كان دمه قد ملأ الغرفة. فكّوا أصفاده، فوقع على الأرض جثةً لا يتحرّك. وسحبوه من رجليه، ليكون رقماً بين مئات الأرقام التي هي جبين الوطن وعزته وشرفه ورائحته.
    في صباح اليوم التالي، أنزلوني. لم أكن أشعر بيدي، ولا أستطيع التحكم بكتفيّ مطلقاً. لبست سروالي الداخلي بعد سبعة عشر يوماً قضيتها عارياً. أدخلوني للجماعية الرابعة زنزانة المرضى.
    عندما دخلت غرفة المرضى، كان عددنا 89 شاباً سورياً. بعد عشرة أيام، أصبحنا 62. البقية قدموا أرواحهم لكم ورحلوا. تركوا لكم كل أحلامهم وصرخاتهم ورسائلهم ودمائهم ونظراتهم قبل الموت. وهبوكم أغلى ما لديهم واستشهدوا تحت التعذيب.
    لعل الأمل فيكم لا يخيب.
    ومن كان صاحب حقلٍ، فلا يتسول حفنة طحين. وبعد كل تلك الأرواح، كيف يمكن أن نتخيل أن هناك سورياً حراً يمكن أن يساوم على الدم، أو يقايض على العذاب.
    وبعد أن كنت هناك، ما الذي يمكن أن يبقى من حياتي سوى أن أخلص لأولئك الأحرار في أغلالهم.
    سأرتدي ملامحكم، يا رفاق العذاب. سلاما عليكم أيها الشهداء الأحياء. سلاماً أيها السوريون الشرفاء.
    الضابط الذي أشرف على هذه الأعمال لا يزال يمارس هوايته الدموية بانتظام في السجون السورية.
    0

    الأكثر مشاهدة

    • الأكثر مشاهدة

      مشاهدة تعليقاً إرسالاً

    مقالات أخرى للكاتب

    مؤتمر الرياض.. أي خيارات استراتيجية عربية للمستقبل؟
    25 مايو 2017 | ما كان في وسع طهران، ولا غيرها، أن تعبث بالأمن والاستقرار والتماسك الوطني لشعوب المنطقة العربية، لو لم تجد في هذه الشعوب والبلدان عوامل التفسخ والفساد والضعف وعجز النخب عن إدارة شؤون مجتمعاتها وحكمها وقيادتها بطريقة ناجعة.
    المعارضة السورية أمام معركة مصيرها
    10 مايو 2017 | أوحى اتفاق أستانة "خفض التصعيد" في مناطق في سورية للعالم أننا لم نعد أمام قضية ثورة ضد نظام دموي، ولا حتى في مواجهة حرب أهلية شرسة، وإنما أمام دول ثلاث تنسّق لتمكين السلطة المركزية للدولة من استعادة سيطرتها على المعارضة.
    رأب الصدع بين العرب والكرد
    29 أبريل 2017 | لماذا لم يتمكّن العرب والكرد من إيجاد لغة سياسية مشتركة، وبالتالي برنامج سياسي للتغيير في الإطار الديمقراطي؟ هل ما يجري اليوم هو خيار الشعب الكردي أم النخب الكردية؟ وهل حق الشعوب في تقرير مصيرها هو الحل للمسألة الكردية في سورية؟
    أصل فساد القيادة وتهافتها في سورية والدول العربية
    9 أبريل 2017 | لأن الثورة لا يمكن أن تستمر من دون مراجعة نفسها وإصلاح أخطائها، ينطلق الكاتب برهان غليون في مقاربته النقدية هذه من "تعليق" حاد لأحد السوريين على صفحته على "فيسبوك"، ليفتح باب النقد حول الثورة و"قياداتها" والجماهير الثائرة.
    المزيد

    أخبار مرتبطة

      ...تحميل المقال التالي Loading
      • من نحن
        • النشرة الدورية
        • خريطة الموقع
        • مرايا
        • اتصل بنا
        • وظائف شاغرة
      • الجريدة المطبوعة
        • الاشتراكات
        • الإعلانات
        • الأرشيف
      • تواصلوا معنا
        • فيسبوك
        • يوتيوب
        • تويتر
        • جوجل بلس
        • انستغرام
        • RSS
      • تطبيقاتنا
        • android
        • apple
      • تابعنا
        • Follow @alaraby_ar
      • روابط اخرى
        • النشرة الدورية
        • أسئلة متكررة
        • الارشيف
        • العاب
      • الرئيسية
      • |
      • سياسة
      • |
      • اقتصاد
      • |
      • مجتمع
      • |
      • ميديا
      • |
      • تحقيقات
      • |
      • ثقافة
      • |
      • رياضة
      • |
      • منوعات
      • |
      • مقالات
      • |
      • كاريكاتير
      • |
      • ملفات خاصة
      جميع حقوق النشر محفوظة 2018 | اتفاقية استخدام الموقع
      أعلى الصفحة
      وظائف
      اتصل بنا
      النشرة الدورية
      • android App
      • apple App
      • facebook
      • twitter
      • youtube
      • instgram
      جميع حقوق النشر محفوظة 2018 | اتفاقية استخدام الموقع
      النسخة الكاملة للموقع
      مواضيع قد تهمك
      • السابق

        التالي