"جنيف 4"... التفاوض إلى أين؟

"جنيف 4"... التفاوض إلى أين؟

23 فبراير 2017
+ الخط -
تنعقد جولة مفاوضات سورية جديدة في جنيف، تترافق مع تجدد آمال السوريين وتطلعاتهم في إيقاف القتال وإنهاء جميع أشكال الحصار، وإطلاق سراح جميع المعتقلين أو جزء كبير منهم من المعتقلات والسجون السورية السرية والتابعة بشكل مباشر للنظام، أو تلك التابعة للمليشيات الموالية له، إلا أن الآمال والتطلعات الشعبية في تحقيق حل سياسي يشكل مقدمة لتضميد الجراح ولملمة الشتات والأحزان باتت شبه معدومة، نتيجة غياب البحث في الحلول السياسية التي تدفع السوريين إلى الخلاص من جميع أشكال الاحتلال الدولية والإقليمية والجهادية والمحلية، والتي تمثل أولى الخطوات لبناء الوطن السوري الجامع لجميع أبنائه.
فمن الواضح أن الشعب السوري قد لمس خلو المفاوضات المزمع عقدها من البحث في متطلبات جميع مكوناته ورغباتهم، لحساب طرح تطلعات ورغبات القوى الدولية والإقليمية الفاعلة ورغباتها بشكل مباشر أو غير مباشر في الساحة السورية، حيث باتت هذه الجولات التفاوضية تعكس، وبشكل فج، الاستبعاد الدولي للسوريين عنها، سواء من الأطراف الداعمة للنظام السوري، وخصوصا الروس، وبشكل أقل فجاجة الإيرانيين، أو من الأتراك، وكذلك تعكس الرغبة الدولية في استحضار بعض الشخصيات والأطراف فقط عند الحاجة لإضافة بُعد سوري للمفاوضات الجارية، وخصوصاً في المفاوضات ذات الرعاية الدولية، والتي شكلت العصب الرئيسي للمفاوضات ذات الرعاية الأممية المزمع عقدها في جنيف.
إذاً هي مفاوضات دولية على سورية أو حولها، و لمزيدٍ من الدقة هي مفاوضات عمادها
السيطرة والإرادة الروسية، فقد بات النجاح في عقد مفاوضات لحل الأزمة السورية أو في استقراء نتائج هذه المفاوضات مرتبطاً بشكل شبه حصري بالإرادة السياسية الروسية، والتي غالباً ما يؤدي الخطأ في قراءتها إلى بناء آمال وأوهام حول حدوث تغيير جذري في الممارسة الروسية، ومنها الوقوع اليوم في الفخ الذي نصبته الخارجية الروسية، عبر تصويرها أن الإيرانيين والنظام السوري هما الطرفان الرافضان للحل السياسي المزمع الوصول إليه عبر التفاوض، ويرغبان في الاستمرار في العمليات القتالية وفرض الحل العسكري الشامل، على الرغم من عجز التحالف الطائفي والإجرامي السوري والإيرانيين من تحقيق أي نجاحات عسكرية، من دون الغطاء الجوي الروسي منذ ما يزيد عن عام، وهو ما أكده الرئيس السوري، بشار الأسد، نفسه في أكثر من لقاء صحافي أخيرا، فقد اعتبر أن التدخل الروسي المباشر كان السبب الرئيسي في الحيلولة دون انهيار النظام السوري وحليفه الإيراني، أي أن القيادة الروسية هي من تسعى إلى فرض الحل العسكري حتى اليوم. كما تستند الخارجية الروسية إلى صورتها الوهمية المزعومة، راعية للحل السياسي في دعواتها إلى تحقيق التمثيل الأوسع للشعب السوري في جلسات التفاوض، عبر تضمين وفد المعارضة شخصيات ومنصات محسوبة أو مقربة منها، مثل منصتي موسكو والقاهرة، لتصبح موسكو الوسيط والراعي والمشكل الرسمي لجلسات التفاوض السورية وفرق التفاوض القائمة ظاهريا به، فضلا عن كونها عمليا الطرف الأكثر حسما وتأثيرا على مجريات الصراع العسكري الدائر في سورية.
كما نجحت القوة الجوية الروسية في تحجيم التطلعات الإقليمية، وخصوصا التركية، ودفعتها
 نحو التنسيق والتعاون مع روسيا، من أجل ضمان المصالح التركية في سورية مستقبلا، ما انعكس على قدرات ومواقف وتكتيكات الفصائل والكتائب والقوى المعارضة السورية، لتسير مرغمة من الأتراك وبعض الدول الداعمة والحليفة للأتراك نحو جلسات التفاوض الدولية والأممية منزوعة من أوراق القوى التفاوضية، وأهمها الشعبية، والتي خسرتها على مدار السنوات الثورية السابقة، نتيجة اتباعها نهج القوى الداعمة، والذي يتعارض مع تطلعات الشعب السوري الثائر وغاياته، ونتيجة سعيها إلى تحقيق مكاسب شخصية مالية وسياسية على حساب السوريين والأرض السورية. كما يبدو أنها خسرت الجزء الأكبر من قوتها العسكرية، نتيجة ضغوط وسيطرة القوى الداعمة عبر تحكمهم في موارد هذه القوى المالية والإعلامية والعسكرية. ما جعل أعضاء عديدين في وفد المعارضة السورية للمفاوضات يعبر عن هذا العجز بطريقة غير مباشرة، مثل اعتبار قرارات مجلس الأمن والتشريعات الدولية مصدر القوة التفاوضية التي تحول دون هزيمة المعارضة السياسية.
إذاً، نحن أمام جلسات تفاوض بعناوين دولية أو أممية، لكنها جميعها ذات مضمون روسي، بمعنى أن السياسة والإرادة الروسية هي المتحكّم الأول في المسار التفاوضي، وفي نجاح الحل السياسي إن أرادت ذلك، إلا أن الممارسة العسكرية الروسية لا تدع مجالا للشك في نيات موسكو في المضي في طريق الحل العسكري، عبر توسيع العمليات العسكرية المدعومة روسياً في كل من محيط دمشق ودرعا، وأحيانا على مشارف مدينة الباب السورية. لذا أقصى ما يمكن أن يقدمه الروس في جنيف، إن حدث، يتمثل في إطلاق سراح أعداد محدودة من المعتقلين، من دون أن تترافق مع آليات تمنع استمرار الممارسة ذاتها، أي الاعتقال، فهي مجرد ورقة يقدمها الروس من أجل امتصاص الأصوات الناقدة، ومن أجل تعزيز صورة الحمامة الروسية البيضاء!. كما تجدر الإشارة إلى الغياب الكامل للحضور الثوري السوري عن جميع الاجتماعات التفاوضية، وخصوصا بعد التوافق التركي - الروسي، حيث كان بعضهم يرى في تركيا الحامي، وربما الحامل السياسي للثورة السورية، نتيجة تغيّب الحركة الثورية الشعبية أو تواريها، وتواري الحناجر الثورية. ليشكل هذا الغياب النقطة الأهم في جميع الجلسات التفاوضية، ما يدفعنا إلى الإيمان بأن عملية استعادة الصوت والفعل والحضور الثوري هي المهمة الأولى من أجل الخلاص السوري من مستنقع الإجرام والاستبداد والإرهاب المستفحل في سورية. وهو السبيل الوحيد لاستعادة القضية السورية من مخالب الدب الروسي ونظرائه الدوليين.