فستان زفاف

فستان زفاف

22 فبراير 2017
+ الخط -
ارتدينا ثيابنا، أثقل ما لدينا. إنه كما يقولون عنه شباط اللباط، أمامنا مشوار طويل وسنشتري قماش فستان العروس. لا جدوى منه فلا فرح سيقام. العريس مُنحَ في آخر مرة زار فيها دمشق إذن مغادرة مرة واحدة لسبب لا مكان لذكره الآن. وبهذا، لن يتمكن من العودة مجدداً إلى دمشق، فقرّرا أن تلتحق هي به ويختصرا مراسم الزواج، إلا أنّ العروس لم تتنازل عن حقها في التقاط الصورة التذكارية الخالدة التي تجمع أيّ عروسين لتعلّقها في منزلها الجديد، وتتركها لوالدتها لكي تتذكر دوماً أنها أنجبت ما تمنت، فجميع إنجازات الفتاة غير مهمة، طالما أنّها لم تصبح ربّة منزل. ربّما لا معنى لما تحقّقه الأنثى، إذا لم يتكلّل بزواج وأسرة سعيدة، ليتم اختزال مشوار طويل في تلك اللقطة.
وصلنا إلى سوق الحميدية، بالتحديد سوق اتفضلي، وهو سوق قماش قديم مسقوف مليء بالأقمشة من مختلف الأشكال والألوان والأسعار، الجميع في هذا السوق يجدون ما يريدون ويستطيعون الحصول عليه.
في هذا السوق، ستجد السيدات من طبقات مختلفة تمشين بجوار بعضهن وتلتقين في المحال وتتبادلن التحية والرأي والذوق؛ إنّه بالضبط ما كان يشبه مدينتنا، فالجميع له مكان للعيش والتواصل مع الآخرين مهما اختلفت طبقاتهم الاجتماعية والاقتصادية. بدأ بريق هذا السوق بالإختفاء بعد إنشاء الأسواق التجارية الفارهة في بداية الألفين، لكن العروس من جيل الثمانينات الذي أقنعته أمه بجمال الأزياء المُفصلة لك خصيصاً في ظل حصار اقتصادي خانق يمنع من اقتناء صيحات الموضة لذا عليهم شراء الأقمشة والذهاب إلى الخياط مع الموديلات المتواجدة في المجلات المهرّبة من غنائم قواتنا في لبنان؛ يحصلون على مجلات الموضة باعتبارها غنائم حرب ويبيعونها في دمشق. الحقيقة أنّهم كانوا يبيعون حتى الأطباق المغتنمة من فنادق أو مطاعم ومن المنازل أيضاً؛ ففي جميع الحروب تكون مقتنيات العدو مُباحة، لم تفهم العروس يوماً كيف يعود الجنود بهذه الأشياء من الحروب، ولكنها تتغاضى عن هذه الأفكار حالما تحصل على بواقي الأقمشة لتصميم الأزياء لألعابها.
انتقلنا من محل إلى آخر بسلاسة، فالبائعون موهوبون بعدم الازعاج، يستعرضون ما لديهم ويحاولون بجميل الكلام البيع، وإذ لم يحدث، فيكتمون امتعاضهم في قلوبهم، وقد تراه في عيون الأغرار منهم ممن لم يمتلكوا القدرة على إخفاء حقيقة ما يشعرون، هذا ما اعتاد عليه الدمشقيون إظهار ما يخالف شعورهم بغية إرضاء زبونهم، وحرصاً على لقمة عيشهم وتجارتهم. وجدنا أخيراً ضالتنا إذ أنّ طلبها كان معقداً كما هي حالتها، اختلفت مع والدتها حول قماشتين إذ لم تكن والدتها ترغب بشراء قماش أبيض، تعبيراً عن رفضها طريقة زواج ابنتها، وهي تريد أن تختار قماشا أبيض، فيه تموجات شبيهة بقوس قزح الذي يشبه حبّها؛ نورٌ أضاء الحياة بعد المطر، كانت غارقة في رومانسية لا تشبه زمنها، لكنها تشبه، إلى حد كبير، عامي 2010 و2011 .
عادت إلى المنزل فرحة بثوبها الأبيض؛ رنّ جرس الهاتف، أجابت.. سمعت.. انهارت بالبكاء، جلست في غرفتها خمسة أيام متواصلة، لم تفعل شيئا سوى البكاء، فالفرحة تبخرت، وقوس قزح بدا ضباباً، لم تخبر أحداً ماذا سمعت، لا أحد يعلم إلى الآن حقيقة ما جرى سواها، اكتفت بضمّ نفسها وكأنها جنين في رحم أمها؛ لا أحد يمكنه مساعدتها فاختارت أن تعود إلى فترة الأمان الوحيدة حيث كانت لا تزال مربوطة بحبل سري يمدّها بكل سبل العيش والحياة، بقيت كذلك حتى سمعت صوت هتاف صادر من تلفاز الغرفة المجاورة، فتحت الباب سارت باتجاه مصدر الصوت، حدّقت بعينيها الخضراوين التعبتين من البكاء، ابتدأت شفتاها تتسع وظهرت تلك الخطوط المتعرّجة وهي تشع نضارة، أوقفت دموعها ورفعت أكتافها، بيقين أنّها واحدة من هذا الشعب الذي يصرخ لتحقيق حلمه بيقين مراهق لا يعرف للحياة معنى من غير التحدّي.
3B8AE38E-4E09-4A3F-89BA-16154CE498C3
3B8AE38E-4E09-4A3F-89BA-16154CE498C3
خولة أبو سعدة (سورية)
خولة أبو سعدة (سورية)