ملاحظات لمفاوضات جنيف

ملاحظات لمفاوضات جنيف

22 فبراير 2017
+ الخط -
1
تكمن أولى الملاحظات في أن قرار مجلس الأمن الدولي 2254 يعتمد آلية للحل السياسي السوري معاكسة تماماً لآلية وثيقة جنيف 1، الصادرة يوم 30 يونيو/ حزيران من عام 2012، عن توافق الخمسة الكبار أعضاء مجلس الأمن، والتي تقول بتشكيل "هيئة حاكمة انتقالية" كاملة الصلاحيات التنفيذية بتراضي الطرفين المتصارعين، لتحقق الانتقال السياسي إلى النظام الديمقراطي. بدل الهيئة التي مرجعيتها القرار الدولي وثيقة جنيف 1 والقرار 2118، يتحدّث القرار 2254 عن حكومة موسعة وغير طائفية يشكلها بشار الأسد الذي يزيحه عن منصبه قرار دولي، يفسر معنى جملة "صلاحيات الهيئة التنفيذية الكاملة" بقوله، إن بشار الأسد يجب أن يغادر منصبه، لأن صلاحياته ستذهب إلى الهيئة، بمجرد أن تشكل من أجل أن تتولى مهامه. لذلك لن يكون مرجعيتها، بل ضحيتها. لا تبقي وثيقة جنيف بشار الأسد في موقعه، خلال المرحلة الانتقالية، بينما يجعله القرار 2254 رئيساً لها، ومشرفاً على حكومة موسعة وغير طائفية، سيتولى هو تشكيلها، لن تكون بأي حال مساوية في هويتها ووظائفها للهيئة الحاكمة أداة للتحول الديمقراطي، في حين ستكون الحكومة أداة بيده، باعتباره رئيساً معادياً للديمقراطية، ولأية وظيفة تشبه ما هو مطلوب من الهيئة. هذا الافتراق بين مهام هيئةٍ مرجعيّتُها وثيقة جنيف والقرار الدولي رقم 2118، مهمتها نقل سورية سياسياً إلى الديمقراطية بضمانات دولية، والقرار 2254 الذي يشكل حكومة لا تقوم بتراضي الطرفين، بل بقرارٍ يصدر عمّن عليه مغادرة السلطة (بشار الأسد) وليس من مهامها إنجاز انتقال سياسي إلى الديمقراطية، بل قطع الطريق عليه، ومنع تحقيقه. لذلك، تتناقض النتائج التي ستترتب علي تشكيلها مائة بالمائة مع ما يجب أن تكون عليه السلطة السورية التي ستنجز الانتقال السياسي.
هذا التناقض هو العقبة التي لا بد من تجاوزها في المفاوضات، إذا كان يُراد لها أن تحقق تلك النتائج التي أريد لتطبيق وثيقة جنيف والقرار 2118 تحقيقها، ولا بد أن تعرف في ضوء تحديداتهما، وليس في ضوء إصدار دستور وإجراء انتخاباتٍ تحت إشراف دولي، كما ينص القرار 2254 الذي يحدد مهاماً يعني تطبيقها إلغاء الانتقال والتخلي عن هدفه: التحول الديمقراطي. جسر الهوة بين الوثيقة والقرار 2118 والقرار 2254، هو المهمة الرئيسة التي يجب على الوفد المفاوض التركيز عليها وإنجازها، لا سيما وأن الهيئة ستكون، بطبيعة الحال، موسعة وغير طائفية، وأنه لم يكن هناك من داع لإصدار قرارٍ يعرف صفاتها التي ليست في حاجة إلى تعريف. وبالتالي، لا مسوّغ لإصداره غير استهداف مهامها، ونقل الموضوع من هويتها إلى صفاتها، وهي حمّالة التباساتٍ لا حصر لها.
والآن، إذا ما نظرنا إلى مهام الهيئة الحاكمة، وجدنا أنها موسعة ولا طائفية، وستصدر دستوراً،
وتجري انتخابات برلمانية ورئاسية. لماذا إذن صدر القرار 2254؟. إذا كان يريد التأكيد على صلاحياتها، فإن هذا لا يتطلب إصدار قرار خاص باسم مختلف، تعتمده موسكو وأتباعها من كارهي الشعب السوري وثورته، بديلاً لوثيقة جنيف والقرار 2118. أما إذا كان يريد التذكير بمهام الهيئة، لماذا غيرها وحذف الانتقال الديمقراطي باعتباره وظيفة وحيدة للانتقال السياسي الذي تقول الوثيقة والقرار إنه يجب أن ينجم نتيجة وحيدة عن التفاوض، وأن يُغطّى بضماناتٍ دولية؟. ولماذا يطرح القرار 2254 باعتباره مرجعية وحيدة أو رئيسة للتفاوض؟. ولماذا، أخيراً، تحولت مهمة الهيئة من إعداد مستلزمات الانتقال الديمقراطي، في ما يتصل بتشكيل لجانٍ تتولى حل المشكلات الخطيرة والكثيرة التي ترتبت على حرب النظام الإجرامية ضد الشعب، أو تشكيل جمعية تأسيسية، وإصدار دستور، وعقد مؤتمر وطني، وصولاً إلى إجراء انتخابات برلمانية، يتم بعدها تنظيم انتخابات رئاسية، تحل الهيئة بإنجازها؟. هل أرادت روسيا تكرار المكرّر، أم أن وراء الأكمة ما وراءها، مما شرحت بعضه في هذه العجالة، لأؤكد أن مهمة الوفد التفاوضي السوري لا يجوز أن يكون لها أي موضوع آخر غير إعادة الأمور إلى نصابها، واعتبار مهام الهيئة مادة المفاوضات الوحيدة، بحيث تغدو بنية الهيئة ومهامها هي بنية الحكومة ومهامها، مهما كانت الطرق إلى هذا الهدف التفافية أو معقدة ومتشعبة. في هذه الحال: إذا كانت الحكومة ستحقق مهام الهيئة، فإن أي تعطيل للتفاوض حولها لا بد أن يعد تعطيلاً للتفاوض، ورفضاً للحل السياسي.
2
ثاني الملاحظات تكمن في ما يطرحه بعض أعضاء المعارضة حول عدم جواز طرح شروط مسبقة للمفاوضات، وهو طرح تبناه الروس والنظام. باختصار شديد: تعطينا وثيقة جنيف 1 والقرار 2118 حقوقاً لا يجوز أن نتنازل عنها لأي كان، ولأي سبب كان، وتحت أي ظرف كان، يعترف العالم بها كحقوق هي:
أولاً، هيئة حاكمة انتقالية هي أداة انتقال تضم السوريين، ليس الأسد من أعضائها، ولا يحق له البقاء في منصبه بوجودها، فهل المطالبة بها وبرحيله شرط مسبق أم حق منحنا إياه العالم بإجماع دوله، وفي قرار مضى على إصداره ثلاثة أعوام عطّله الروس والنظام خلالها، ولا بد اليوم من تطبيقه؟.
ثانياً، انتقال سياسي هو الانتقال الديمقراطي دون سواه، فهل تمسّكنا به بشرط مسبق أم إصرار على حقٍّ لا يجوز التفريط فيه أو التنازل عنه؟.
ثالثاً، مسار حل يلزم الطرف الآخر بالانضمام إلى الهيئة، ما دام يؤكد أنه قبل الوثيقة والقرار
2118، وكما هو معلوم، فإن قبول القرارات الدولية لا يجوز أن يكون انتقائياً أو كيفياً: تقبل ما يعجبك وترفض ما لا يعجبك، إلا إذا أبديت تحفظاً على بعض ما جاء فيها، وهو ما لم يحدث في حالتنا السورية، من كلا طرفي الصراع. ليس قبول وثيقة جنيف والقرار 2118، الذي يجب أن يكون أول موضوع يطرح للتفاوض، شرطاً مسبقاً، بل هو أساس لا يمكن التفاوض من دون تثبيته. لذلك، لا بد عند بدء التفاوض من طرح السؤال على الطرف الآخر: هل يقبلون وثيقة جنيف 1 والقرار 2118 أساساً ومرجعيةً للقرار 2254، كما يقول نص هذا القرار نفسه، وهل يقبلون تطبيقه بالتالي كاملاً، في ضوء أن الانتقال الديمقراطي اعتمده حلاً؟. لا يجوز أن تبدأ المفاوضات بغير قبول الطرفين مرجعية جنيف والقرار التي يذكرها القرار 2254 بالاسم. ومن الضروري أن يعتمدها الوفد السوري مرجعية وحيدة له، وأن يصر على تلقي إجابة إيجابية عن سؤاله، ليبدأ التفاوض، بما أنه من المحال التفاوض على مرجعيةٍ لا يقبلها الطرفان (!). ليست حقوق الشعب السوري المعترف بها دولياً من الخمسة الكبار شروطاً مسبقة، بل هي الموجه والهدف الذي يجب أن يحكم التفاوض، لكي تتوافق نتيجته مع حقوق السوريين وإرادة المجتمع الدولي ومنظماته الشرعية.
3
كان الطرف السوري قد أجاب عن أسئلة طرحها ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا، عليه وعلى الطرف الأسدي الذي كان قد اقترح أيضاً موضوعاتٍ للتفاوض، تبدأ بعد تشكيل الهيئة بتأسيس جيش وطني. من الضروري توجيه مذكرة إلى ممثل الأمين العام تطلب إليه إدارة التفاوض بما يخدم تطبيق الوثيقة والقرار 2118 ، والقرار 2254 بمرجعيتهما، وليس فقط بنصه، فذلك أيضاً من حقوق الشعب السوري التي منحه إياها المجتمع الدولي. ومن الضروري الإصرار على إحراز نتائج تفاوضية، تتفق وتصريحات دي ميستورا حول الانتقال السياسي، باعتباره موضوع التفاوض الوحيد وجوهره، ومع الردود التي تلقاها من الهيئة العليا وبعض أعضاء الوفد السوري (ردود جهاد مقدسي) بشأن أسئلته.
E4AA2ECF-ADA6-4461-AF81-5FD68ED274E9
ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.