التنمية والمستقبل العربي

التنمية والمستقبل العربي

21 فبراير 2017
+ الخط -
تعدّدت الدراسات والبحوث الإقليمية والدولية التي تتناول موضوع التنمية، وكان للمنطقة العربية نصيب كبير منها، بسبب التعثّر الدائم في تحقيق نتائج تنموية ملموسة، وهو ما يظهر في كلّ مؤشرات التنمية البشرية منذ أول تقرير للتنمية البشرية في 1990، حيث تظهر الأرقام مراوحة التنمية العربية في مكانها، رغم إخفاء الكثير من الأرقام التي قد لا ترغب الحكومات بكشفها، والتي قد تكون صادمة عن حقائق فشل التنمية العربية.
لم يكن ذلك في واقع الأمر سوى تأجيل مواجهة المشكلات، إلى أن تحوّلت مشكلات ومعوقات التنمية إلى معضلات عصية على الحل، إلا بالتخلص من تلك الحكومات بإداراتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وفق رؤية ثورات الربيع العربي. وهو الأمر الذي تجلّى على أرض الواقع في الخروج الشعبي الكبير من أجل الحرية والعدالة والديمقراطية، تلك التحرّكات الشعبية التي عمّت الساحات العربية، بمطلبها الأساسي بالتنمية التي تنعكس في المستوى المعيشي، وليس تلك التي تكتفي بنمو ظاهري، وسيكون للمحافظة على إحياء هذا المطلب الأساسي للجماهير الشعبية، رغم الانحرافات التي حلّت بالثورات العربية، الضامن الأساس لتصحيح بوصلة مستقبل الربيع العربي بربطه بمستقبل التنمية العربية.
وبحسب مسح التطورات الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة العربية لعام 2015، الذي أصدرته الإسكوا (اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا)، فإنّ مستويات النمو أقل من أن تؤدي إلى تغيير في حالة الفقر في مجموعة أقل البلدان العربية نموا (موريتانيا، جيبوتي، جزر القمر، السودان، اليمن).
ولا يختلف واقع الحال في باقي دول المنطقة العربية، إلا في درجة نمو شكلي، لا يصل إلى حدّ تنمية الواقع المعيشي لعامة المجتمع، وبشكل عام تتشارك دول المنطقة العربية في معوقات التنمية مع عدم توّفر الاستقرار الاقتصادي والسياسي، إضافة لتخلّف مؤسسات الحكم واستمرارها دون مساءلة وقلة الكفاءة واستئثار بالسلطة، مع تفشي الفساد والبيروقراطية والاستبداد، وغياب الديمقراطية وتطبيق القانون، وعدم القدرة على توطين التقنيات اللازمة للتنمية.
ولإخفاء واقع التنمية العربية عملت الحكومات على تقديم نموذج التنمية بقيادة الدولة، والذي حقّق نجاحات في التنمية البشرية تجلّت في تأمين الوظائف العامة والإعانات الغذائية، دون أن تتمكن الدولة من إلحاق تلك النجاحات الشكلية بمكاسب في الإنتاجية والنمو، بعد أن حصرت الطاقة البشرية في القطاع العام غير المنتج، وحصر الميزات الاقتصادية في شركات وأشخاص هم امتداد للنخبة الحاكمة .
يصل تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2016 إلى استنتاج رئيسي أنّ "الشباب في المنطقة العربية يناضلون من أجل الاندماج الاجتماعي والاقتصادي الكامل في مجتمعاتهم، وأنّ إقصاءهم منتشر في جميع أنحاء المنطقة العربية"، وأنّه بعد خمس سنوات من الانتفاضات، يقترب معدل البطالة بين الشباب إلى ما يقارب 30 في المئة، والذي من المتوقع أن يستمر حتى عام 2019.
ولقد كان للفشل التنموي في الدول العربية، على مدى عقود ما بعد الاستقلال من الاستعمار، العامل الحاسم في ظهور أزمات اجتماعية وأمنية وسياسية مستديمة، منعت التنمية والتحوّل الديمقراطي وساهمت في تفشّي البطالة وزيادة رقعة الجوع والفقر.
إلا أنّه على الرغم من الصدمة الناتجة عن الإطلاع على الأرقام التي تسمح لها الحكومات العربية أن تخرج في الإحصاءات والدراسات الصادرة عن المنظمات الإقليمية، أو تلك التابعة للأمم المتحدة، يبقى الواقع والمستقبل أكثر سوداوية مع بقاء ذات الإدارات والآليات التي أدّت إلى تعثّر التنمية، الأمر الذي يتطلّب، كما تؤكد عليه الدراسات الجادة، فتح باب الحوار الوطني لإعادة تشكيل الدولة بما يخدم إقامة نظام تنموي يهدف إلى إعادة توجيه النظام الاقتصادي نحو الإنتاج الصناعي والقدرة الزراعية والنمو الشامل، وإلا فإنّ كلّ ما سيتحقق من الربيع العربي حرية شكلية.
578450E3-0A1E-4E86-8447-77DF4DA4E52B
578450E3-0A1E-4E86-8447-77DF4DA4E52B
علي طيبا (سورية)
علي طيبا (سورية)