طائفية ترامب

طائفية ترامب

03 فبراير 2017
+ الخط -
لم يكن القرار الذي أصدره الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، بحظر مواطني سبع دول مسلمة من دخول الولايات المتحدة تسعين يوماً مفاجئاً أو مستغرباً، فالرجل، من وجه نظر ناخبيه ومؤيديه، ينفذ أحد وعوده الانتخابية التي رفعها في أثناء حملته، والتي ظن بعضٌ أنه سوف يتراجع عنها بعد فوزه بالانتخابات. لكن أسوأ ما في القرار، بعيداً عن تداعياته الكارثية علي ملايين البشر، هو منطقه ولغته التي تنضح بالطائفية والعنصرية، والجهل المقدس كما يسميه الباحث الفرنسي أوليفيه روا.
من يتابع قصة "حظر المسلمين"، والتي جاءت على لسان أحد من وضعوا أساسها القانوني والسياسي، وهو رود جولياني، عمدة نيويورك السابق وأحد مهندسي فوز ترامب بالرئاسة، يكتشف أن مسألة الحظر طائفية بالأساس، وليست سياسية، فحسب رواية جولياني التي أدلى بها مع قناة فوكس نيوز، فإن ترامب قد طلب منه في أثناء حملته الانتخابية إعداد قرار لحظر المسلمين من دخول أميركا بشكل قانوني، فشكل جولياني لجنة من قضاة ومحامين صاغوا الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب يوم الجمعة الماضي. ما يعني أن الأمر لا يخص دولاً بعينها، على نحو ما يدّعي أنصار ترامب، خصوصاً من محللين ومستشارين عرب يدافعون عن ترامب ويبرّرون سياساته، وإنما يخص المسلمين بوجه عام، فالقرار يستثني بشكل واضح الأقليات، خصوصاً المسيحية، من مسألة الحظر. وهو ما أكده ترامب، في أكثر من مقابلة، سواء في أثناء حملته الانتخابية، أو بعد يومين من إصدار قراره أخيراً، أو من خلال تغريداته على شبكة تويتر.
لا تعكس طائفية ترامب فقط شعوراً كامناً بالكراهية والعداء والازدراء تجاه الإسلام والمسلمين، وإنما تمثل أيضا استراتيجية سياسيةً هدفها استخدام خطاب التخويف والتفزيع، من أجل خلق "عدو" وهمي يبرّر سياساته. وهي أيضا جزء من صراع سياسي وإيديولوجي مع التيار الليبرالي الذي حكم أميركا طوال السنوات الثماني الماضية من خلال الحزب الديمقراطي، وانتقام شخصي من الرئيس السابق، باراك أوباما، الذي يعتبره كثيرون من مؤيدي ترامب عدوهم الرئيسي. بكلماتٍ أخرى، تعدّ مسألة الإسلام والمسلمين بوجه عام إحدى القضايا المحورية لليمين المتطرّف، الصاعد حالياً في أميركا، والذي يسعى، من خلالها، إلى مغازلة شرائح شعبية خاصة في الطبقات الفقيرة والوسطى، ليس لديها من الانفتاح والثقافة ما يجعلها واعيةً بمخاطر هذه المسألة، فقد بنى ترامب حملته الانتخابية على تغذية مشاعر الكراهية والخوف من الأجانب، ويريد أن يواصل فترته الرئاسية الأولى، وربما الثانية، بالطريقة نفسها، باعتبار أن ورقة "الأمن" هي الرابحة في أي صراعٍ مع خصومه، سواء أكانوا الديمقراطيين أم وسائل الإعلام التي يعتبرها الآن بمثابة "حزب المعارضة" الرئيسي في البلاد، كما كتب على "تويتر" قبل أيام.
لا يعبأ ترامب كثيراً بمقولات "النموذج الأميركي" و"الحلم الأميركي" و"التعدد الثقافي والديني والعرقي" التي شكلت العصب الأساسي للقوة الناعمة لأميركا خارجياً، بل يرى أن ذلك هو أصل المشكلة والخطر على بلاده. لذا، فهو يتبنّى منظومة قيمية، عكس كل ما سبق، وغارقة في مقولات التميز والتفرد العرقي للطائفة البيضاء، ويرى نفسه بمثابة "المنقذ" لهذه الطائفة من الأعداء والغرباء، وفي مقدمتهم المسلمون.
وعلى الرغم من ذلك، إذا كان ترامب يمثل نموذجاً للطائفية والعنصرية البغيضة، فإن ما فعله آلاف الأميركيين الذين تظاهروا تضامناً مع المسلمين الذين علقوا في المطارات الأميركية طوال الأسبوع الماضي يؤكد أن المجتمع الأميركي لا يزال حياً ومنفتحا، ولن يضحي بتراثه التعدّدي المنفتح الذي يحاول ترامب طمسه.
A6B2AD19-AA7A-4CE0-B76F-82674F4DCDE4
خليل العناني

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية. عمل كبير باحثين في معهد الشرق الأوسط، وباحثاً في جامعة دورهام البريطانية، وباحثاً زائراً في معهد بروكينجز.من كتبه "الإخوان المسلمون في مصر ..شيخوخة تصارع الزمن".