في الحاجة إلى حكماء

في الحاجة إلى حكماء

20 فبراير 2017
+ الخط -
بعد الحرب العالمية الثانية وويلاتها، وفجائع ملايين الموتى والمعطوبين والأرامل واليتامى، وانهيار اقتصادات الشعوب، وبعد توقف زخم الحياة الطيبة وانتشار العنف والألم لنصف عشرية. بعد ذلك كله، شعرت البشرية المتحضرة بفداحة الأمر، وأخذت العبرة والدروس، وفتحت أبواباً مشرعة على التحديث والتقدم، على المستويات، المادي الرمزي والفكري.
شعر الجناح الديمقراطي من الحضارة الغربية أنّ قيماً ناضلت من أجلها أجيال وأمم يمكن أن يضيّعها بلهاء استطاعوا تعبئة شعوبهم بالحماس الزائد بالترهات وخلق أكباش فداء نحو الاقتتال والفناء، فأغرقت الولايات الأميركية القارة العجوز بالأموال المستثمرة في البناء وإعادة الإعمار والبحث العلمي. وفتحت أوروبا الأبواب لموجاتٍ من الهجرات، فحصلت المعجزة وعمّ الرفاه العالم تقريباً في العشريتين اللاحقتين، الخمسينية والستينية إلى حدود التخمة، غير أنّ الشعور بالذنب تجاه المستعمرات والعمال والنساء أثمر أحداث 68، لتفتح الأبواب مشرعة أمام الحوار العمومي وإنضاج أفكار الحرية والحقوق، ليستمر الأمر بعد ذلك حتى سقوط جدار برلين والنموذج السوفياتي برمته، لتودع البشرية الحرب الباردة والتقاطب، وتدخل عصر القطب الواحد.
غير أنّ قانون لكلّ شيء نهاية، وأنّ الحضارات لها عمر، لا يمكن إلا أن يكون ساري المفعول على الازدهار الغربي، ففي عام 2008 يصل النموذج الليبرالي إلى مداه الأقصى، ويستدعي الأمر حكمة رئيس كان جامعياً ذات يوم. حكمة ضخ الأموال في البنوك لتحرّك العجلة المالية والاقتصادية من جهة، ورعاية المستضعفين من جهة ثانية. وهي تدابير توّضح من جديد كيف أنّ الليبرالية لا يمكن أن تكون مطلقة. وكيف أنّ الإنتاج يمكن أن يشيخ، وأنّ تدخل الدولة والمنظمات ضرورة تنظيمية منطقية.
العالم الآن إن ترك لقانون العطالة يكون كآلة من دون كوابح لا بدّ أن تصدم ذات يوم بجدار.
هذا هو تقرير الواقع بالمعاينة وبقراءة التاريخ. أما الكوابح فهي، وإن كان لابد أن تكون سياسية، من قبيل إيجاد مؤسسات جديدة داخل الأمم المتحدة، تهب الاعتبار لدول صاعدة، مثل الصين والهند والبرازيل، أو في طريق الصعود مثل إفريقيا، أو التفكير كلية في إصلاح المنظمة، أو إيجاد منظمات موازية تحد من وهم الهيمنة الأميركية والإنجليزية. هذه الإصلاحات وإن كانت سياسية كما قلنا، فخلفياتها يجب أن تكون فكرية تسترشد بحكماء نقترح عشرة منهم من كل بقاع الأرض، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر.
أولهم، نعوم تشومسكي بحسّه النقدي وتوجهه الإنساني، على الرغم مما قد يبدو في أسلوبه من تطرّف أو حتى "شوفينية" وحنين إلى التقليد الفوضوي.
ثانيهم، السوسيولوجي البريطاني أنتوني غيدنز صاحب الطريق الثالث الذي اقترح تدابير جديدة في السياسة الاجتماعية تتجاوز كل من النيوليبرالية بدون قيود والاشتراكية الديمقراطية.
ثالثهم، الفيلسوف والسوسيولوجي الفرنسي، إدغار موران، صاحب الحس الإنساني العميق والمقاوم لكل أشكال استغباء البشرية من طرف السياسيين ورجال الأعمال. ثم الرجل صاحب المشروع الضخم المنهاج المركب.
رابعهم، السوسيولوجي الفرنسي، الآن تورين الذي انتبه مبكراً إلى أهمية الفاعل الاجتماعي والحركات الاجتماعية في صنع التاريخ.
خامسهم، الاقتصادي الفرنسي النابغة، توماس بيكيتي الذي اقترح في أطروحته المهمة، رأس المال في القرن الواحد والعشرين، ضرورة تجاوز المقاولة الوارثة نحو المبدعة والمغامرة.
سادسهم الفيلسوف والسوسيولوجي الألماني، يورغن هابرماس، الملفت النظر إلى أهمية الحوار العمومي، وضرورة الانفتاح على تجديد الديمقراطية تجاوزا لحتمية الصراع والعنف.
سابعهم، الأديب النيجيري وجائزة نوبل بول سوينكا، المناضل الصلب ضد الديكتاتوريات والفساد في بلده. والداعية إلى الحريات والحقوق.
ثامنهم، السوسيولوجي السويسري جون زيكلر بنقده المزدوج، الفاضح لسياسات الشركات العالمية ومراكز القرار المالي من جهة، وتعرية فظاعة الفقر والجوع في أفريقيا من جهة ثانية.
تاسعهم، آمارتيا سين المفكر الاقتصادي الهندي الذي استطاع أن يعيد النظر في تعريف الفقر، بربطه بالكفايات والسياسات والقدرات. والناحت لمفهوم التنمية الاجتماعية، بإدخال مقاييس اجتماعية جديدة مثل الولوج إلى التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية في تحديد مستوى تنمية الشعوب.
هم حكماء لا يغنون عن العودة إلى مفكرين أفذاذ آخرين، مثل الفرنسيين ميشيل وفوكو وبيير بورديو، واللبناني بيار سلامة والمغربيين عبد الله العروي ومحمد عابد الجابري، والتونسي هشام جعيط. وغيرهم كثير.
F103ACEE-0B16-4840-B9A7-80F65E4B72D2
F103ACEE-0B16-4840-B9A7-80F65E4B72D2
قسطاني بن محمد (المغرب)
قسطاني بن محمد (المغرب)