كل هذا الفساد

كل هذا الفساد

09 ديسمبر 2017
+ الخط -
لا حاجة للتذكير بأن شيوع الفساد، وحماية مرتكبيه، كان من أهم أسباب الثورات العربية في العام 2011، وإنما الحاجة هي للتذكير بأن تقرير منظمة الشفافية الدولية للعام 2017 يفيد بأن 12 دولة عربية مصنفةٌ شديدةَ الفساد. أما حضور سورية والعراق واليمن وليبيا والسودان والصومال بين أكثر عشر دولٍ فسادا فإنه لا يستدعي إجهاد الذهن في توصيف الحال في كل واحدةٍ من هذه البلدان. ولا تنفتح هنا سيرة هذا الفساد العميم في عالمنا العربي السعيد، بالأنظمة الحاكمة فيه، إلا لأننا في اليوم العالمي لمكافحة الفساد، كما حدّدته الجمعية العامة للأمم المتحدة لمّا اعتمدت في العام 2003 الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، وهي مُلزمة قانونيا. وقد انضمت إليها 180 دولة. وحتى لا يُفهم أن ثمّة شيئا من التجنّي على هذه الدولة العربية أو تلك، عندما يُشار إلى مرتبتها الزاهية بين الدول التي يتجذّر فيها الفساد، فإن المؤكد أن القضاء المبرم على هذه الجريمة (أو الآفة بحسب رطانات التعليقات العربية المرتجلة) غير ممكن. وكان حسنا من النائب العام في دولة قطر، علي بن فطيس المرّي، قوله، أمام جمعٍ من الصحفيين أمس في جنيف، إن المستطاع هو التقليل من نسبة الفساد، لتتدنّى وتتدنّى أكثر وأكثر. ولكن دولا عربية تبدو وكأنها تتبارى في بلوغ مراتب أعلى، ثم أعلى، في مزاولة الفساد الذي يتبدّى سلوكا بالغ العادية في بلدان غير قليلة.
من الروتينيّ أن تنضم دولٌ بلا عدد إلى هذه الاتفاقية أو تلك بصدد محاربة جريمة الفساد، وأن توقّع على بياناتٍ وتوصياتٍ وفيرةٍ في محافل كثيرة في هذا الخصوص، غير أن المعيار الذي يؤشّر إلى سلوكٍ ظاهرٍ في محاربة هذا المرض سيتعلق بالضرورة في طرائق الحكم لتحقيق تنميةٍ تتوفر على العدالة الاجتماعية، وهذه بالضرورة إنْ تحققت، أو أُخذ بها نهجا في التسيير والتدبير، فإنها ستشتمل على مظاهر واضحةٍ تُسعف في الحدّ من الفساد، أو محاربته حربا حقيقية، لا دعائية. ذلك أن من آليات هذه الحرب وإجراءاتها الوفيرة إخضاعُ المسؤولين إلى المساءلة، وتنوير الرأي العام، ومؤسسات المجتمع المدني، والتمثيلات المؤسسية للشعب، بكل ما يُطمئنه بخصوص أوجه الإنفاق العام، مثلا، وأوجه التصدّي للفساد، صغيرا أو كبيرا، وفي أي موضع وعلى أي مستوى.
جاء حديث النائب العام القطري في جنيف أمس، بعد تظاهرةٍ دوليةٍ مقدّرة، وهي تكريم فائزين بجائزة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الدولية لمكافحة الفساد، في دورتها الثانية، وقد دلّ تنوع إسهامات الفائزين في هذا الشأن، أفرادا ومؤسساتٍ، من آسيا وأميركا وأوروبا، من دولٍ غنيةٍ وأخرى فقيرة، على الحرص الشديد من المحكمين واللجنة الاستشارية للجائزة على المعايير المضبوطة في اختيار الفائزين، في مختلف فئات الجائزة. وإذا ما عنّ لواحدٍ أن يسأل عن أهلية قطر في تنظيم جائزةٍ رفيعةٍ في هذا المستوى العالمي، وبشراكةٍ مع الأمم المتحدة، ويُحتفى بها في مكتب المنظمة الدولية في جنيف، وبمشاركة مسؤولين رفيعين منها، فإن الإجابة يُيسّرها تقدّم دولة قطر في تقارير الشفافية الدولية (الثانية عربيا، و31 عالميا في تقرير 2017، والأولى عربيا و22 عالميا في تقرير 2016)، وكذا في مؤشرات أخرى في تقارير أخرى، ما يعني أن الأهلية المتساءّل عنها متحقّقة.
وبديهيٌّ أن يقترن أمر محاربة الفساد بسيادة القانون وإنفاذه، ما يجعل هذا لا ينعقد من دون تلك، وليس من شيءٍ يشتهيه المواطن العربي، في مطارح وبطاح كثيرة، غير أن يلحظ سيادة القانون هذه على الجميع، فأي نقصانٍ في العدلـ الذي هو أساس المُلك وقوام الدول، إنما هو حجر يسقط في بنيان أي دولةٍ، أما الفساد إذا ما قام وتمّ التساهل بشأنه، فإنه لا يني يتمدّد، ويتوسّع، ويستشري، ويتغوّل... والشواهد قدّامنا تغشى أبصارنا.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.