شهوة السلطة

شهوة السلطة

09 ديسمبر 2017
+ الخط -
هل تسأم الشعوب ممن يحكمها؟ ملكاً كان أو أميراً أو رئيساً، لمجرد أنه بقي متمسكا بمقاليد الحكم والسلطة، عاضاً عليها بالنواجذ؟ لماذا لا تتكرّر ظاهرة نيلسون مانديلا في محيطنا العربي؟ فقد أصبح زعيماً عالمياً ونال ما لم يكن له ليناله، لو بقي على سدة الحكم طوال حياته، إذ ختار لنفسه أن يتربع على عرشٍ هو أرقى وأسمى من هذا العرش الذي كان سيفارقه غصباً أو اختياراً، ولو بعد حين.
كثيراً ما نسمع شعارات الشورى والديمقراطية تملأ دنيانا ضجيجاً، لكننا نفتقدها في كل شيء من حولنا، فهي شعارات خاوية، لا تمثل الواقع الذي نعايشه. بل كأن لسان حال حكامنا يقول: من الكرسي إلى القبر ولا أبالي. هل يدرك هؤلاء الزعماء أن الشعوب تمل وتسأم بطبيعتها البشرية التي تحب التغيير؟ لماذا تشيخ الكراسي بهؤلاء، وتشكو من وطأتهم وتئن من طول الجلوس، وهم في سُبات عميق! ولسان حالهم يستلذ بترديد "ما علمت لكم من حاكم غيري". يولد الطفل في بلادنا ويترعرع، ويدرس كل المراحل الدراسية إلى ما بعد الجامعة، وينخرط في دولاب العمل، ويرى العالم يتغير، والحكام يتعاقبون على إدارة البلاد في كل الدنيا، بينما يلازمه وجه حاكم واحد طوال حياته، لا يفتأ يطل عليه في كل يوم، مهيمناً على أجهزة الإعلام عبر أخبار روتينية مملة، يكاد المتلقي أن يقرأها قبل حدوثها، ويعرف تعليقات أصحاب الشأن عليها. أليس هذا، في حد ذاته، مملاً ورتيباً حد الضجر؟
تريد الشعوب من يعبِّر عنها، ويواكب متطلباتها، ومتغيرات الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي، لا من يجثم فوق صدورها بقوة السلاح وأجهزة الأمن والمخابرات التي تبذل قصارى ما في وسعها لتوطيد الحكم والسلطة وإحكام القبضة الأمنية على كل مفاصل الدولة، والضرب بيد من حديد لكل من يخالف ما يهواه السلطان. تغيرت الصورة النمطية للحاكم الفرد الذي عركته السنين، وهو يكابد الوعكات الصحية التي أوهنت جسده. لِمَ يصر هؤلاء الحكام على غرز أنيابهم في خاصرة الأوطان، وهم يطوّقونها ويزأرون كما يزأر الأسد وهو مجهز على فريسته؟ أمَا يتعظون بمصير أندادهم، وأمثالهم الذين كانوا يوهمون أنفسهم بالبقاء، حتى انقلبت عليهم شعوبهم، وأخرجتهم من تحت الأرض، وهرب من نجا منهم بجسده وحوكم من حوكم منهم، وهو يُساق إلى المحاكمة على سريره!؟ لماذا كل هذا التعنت وجنون السلطة والتسلط والاستبداد على الشعوب؟ العاقل من اتعظ بغيره، والسعيد من أراه الله مآلات الأمور في غيره، فنأى بنفسه عن مرابض الفتن.
نحن اليوم في عالم مفتوح، يرى الشباب العربي تجدّد الدماء في أجهزة الدول الغربية، وفي وزاراتها حتى أعلى هرمية الحكم والسلطات، شباب يواكبون ديناميكية التطورات السياسية والاجتماعية والثقافية والمدنية، ويمثلون تطلعات الأجيال القادمة في عالمٍ تمضي خُطاه بتسارع يسابق البرق على كل الأصعدة.
درسنا، ونحن في بواكير صبانا، قصة لغرابٍ وثعلب، الغراب في أعلى الشجرة ممسكٌ بمنقاره قطعة جبن. وفي هذه الأثناء، يمر الثعلب وقد أنهكه الجوع، فيرى قطعة الجبن في منقار الغراب الطيب، ولكن كيف السبيل إلى قطعة الجبن والشجرة عالية؟ يفكر الثعلب في حيلة فتسوقه إلى خداع الغراب، فيقول له: غنِ لي بصوتك الجميل، فإنه يروق لي، وأنا سأرقص لك، فينخدع الغراب، فيفتح منقاره ليغني فتسقط قطعة الجبن، ويتلقاها الثعلب ويفر. والطرافة أن الثعلب اليوم حينما يقول للغراب: غنِ لي، يجيبه الغراب: لم أعد ذاك الغراب الذي تعرفه، فقد تغير الزمن، وعلمتني الأيام. لم تعد الأجيال هي الأجيال، فقد طرأت تغييرات كبيرة في الفكر والثقافة والعلوم، وفُتحت أبواب المعرفة والاطلاع على مصراعيها أمام الجميع.
أثبتت لنا الأيام أن شهوة السلطة لا تدانيها أي شهوة، لا يضعفها وهن الجسد، ولو كان يُحمل على كرسي متحرّك، ولا اشتعال الشيب وذبول الوجه وخرائط التجاعيد. ألهذا الحد هي فاتنة هذه السلطة؟ ألهذه الدرجة يغري بريقها ويأخذ بالألباب؟
6397A895-D6E7-4F34-AF1B-0ED59CC60F53
6397A895-D6E7-4F34-AF1B-0ED59CC60F53
مصعب محجوب الماجدي (السودان)
مصعب محجوب الماجدي (السودان)