من الحلم إلى الاستيهام

من الحلم إلى الاستيهام

08 ديسمبر 2017

مشجعون مغاربة لمنتخب بلاهم في أبيدجان (11/11/2-2017/فرانس برس)

+ الخط -
تمنح لحظة ما بعد تأهل منتخب المغرب لكرة القدم إلى نهائيات كأس العالم في روسيا فرصة مثالية لعلماء الاجتماع، لتحليل التمثلات الجماعية للشبيبة المغربية واتجاهاتها العاطفية والنفسية.
بين السخرية والتلقائية، تمنح المادة المنتجة داخل أوساط الشباب، وذات العلاقة بهذا الحدث، متناً غنياً ومتنوعاً من الدلالات والأفكار والصور والتعابير والرموز التي تعكس حالة ثقافية معبرة عن اللاوعي الجماعي للأجيال الجديدة.
حالة قد تلخص في وضعية "حلم روسي" يغازل استيهامات (فانتازم) الشباب المغربي، ويهيكل رؤيته لواقعة الانتصار الكروي، للحضور المغربي داخل روسيا بمناسبة المونديال.
مباشرة بعد التأهل، غزت وسائط التواصل الاجتماعي وتطبيقات "واتساب" مئات النماذج من الفيديوهات والصور الحقيقية والمركّبة للنساء الروسيات، وبرع المخيال الجمعي في إنتاج نكات ومحكيات تشتغل على تيمة "اللقاء المنتظر" بين الشباب المغربي والشابات الروسيات. وقبل ذلك، كانت بعض الشعارات والأناشيد التي صيغت على عجل، بمناسبة الفرح المغربي الذي أخرج الشباب وغير الشباب إلى الشارع، ليلة الانتصار على "فيلة إفريقيا"، لا تخلو من إيحاءاتٍ وبلاغةٍ تذهب في الاتجاه نفسه، وذلك كله وراء كلمة سر سحريةٍ "المغاربة قادمون".
حيث كان لافتاً، مثلاً، أن شعاراتٍ كثيرة رددها الشباب المغربي، تلك الليلة الاستثنائية، كانت تستحضر لاعبة التنس، ماريا شارابوفا، لتنتشر بعد ذلك في وسائط الاتصال دلائل ساخرة بشأن تعلم اللغة الروسية، مع نماذج من المحادثات السريعة المطلوبة للتواصل مع نساء أكبر بلاد الأرض مساحة.
اهتمت الصحافة بزاوية المعالجة المنطلقة من الحضور الطاغي لهذا الاستيهام الجماعي، حيث أجرت وسائل إعلام متعدّدة مقابلاتٍ مع روسيات مقيماتٍ في المغرب، وطرح السؤال بأكثر من صيغة على نساء مغربياتٍ بشأن مواقفهن من هذه الهجرة العاطفية المعلنة نحو البرد الروسي.
مرت عقود على روسيا أخرى، كانت قد استوطنت حلماً من طبيعة مختلفة لدى جزء من شبيبة السبعينيات. كان الحلم آنذاك سياسياً وأيديولوجياً، حاملاً مفردات الثورة والاشتراكية والتغيير.
بعيداً عن ذلك، في حكاية الحلم الروسي لمغاربة اليوم، يلخص التأهل لنهائيات المونديال بالاحتفاء بنساء البلد المنظم للبطولة. وينتقل الحس الجماعي للشبيبة المغربية، بسرعةٍ قصوى، من سجل الرياضة والتنافس إلى سجل العاطفة والإعجاب، ويحول المخيال الجمعي كل غموض القارة الروسية البعيدة في الجغرافيا والثقافة واللغة والتاريخ، إلى مجرّد قوام ممشوق لحسناء متخيلة، لا تفعل سوى أن تنتظر وسط الصقيع شاباً مغربياً، يحمل معه كل حرارة الجنوب.
مرة أخرى، نكتشف أن قدر الأحلام، هنا والآن، أن تُحمل دائماً على أجنحة الهجرة إلى عوالم أخرى، وقارات بعيدة. يلملم إذن الشباب المغربي أحلامهم، ويرحّلونها جهة الشرق هذه المرة. ونبتعد قليلاً عن الحلمين، الأميركي والإيطالي، اللذين طبعا مخيال أجيال من المغاربة، لكي نتعلق مؤقتاً بحلم جماعي جديد، هذه المرة، بمضمون ومفردات مختلفة، وباستيهامات جسدية واضحة. يفعل الشباب ذلك، لأن البلاد تفشل دائماً في صناعة حلمها الخاص الذي يمنح وحده المعنى للعيش المشترك تحت سقف وطنٍ يليق بأبنائه.
نقول ذلك، ونحن ندرك أن حلماً من درجة استيهام جماعي محض قد يكون أفضل، عموماً، من حلم مهاجر صوب القتل والعنف والإرهاب، بحثاً عن استيهامات مرحلة من الأرض إلى السماوات.
في النهاية، يبدو الانتقال من زمن الحلم إلى زمن الاستيهامات من العناوين الممكنة لراهنٍ عربي فقد القدرة على إنتاج المعنى وخلق الوعود.
2243D0A1-6764-45AF-AEDC-DC5368AE3155
حسن طارق

كاتب وباحث مغربي