"سرير بنت الملك"

"سرير بنت الملك"

08 ديسمبر 2017
+ الخط -
تم في احتفالٍ، متقشّفٍ بعض الشيء، في الكويت الاثنين الماضي تكريم الفائزين الخمسة بجائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية (5 آلاف دولار)، وإعلان نيل مجموعةٍ للقاصة السورية، شهلا العجيلي، من بينهم، فائزةً بالجائزة الأولى (20 ألف دولار). وعلى الرغم من عاميْها فقط، فإن هذه الجائزة التي تديرها وتشرف عليها الجامعة الأميركية في الكويت، بالشراكة مع "الملتقى الثقافي" صارت موعدا سنويا مهما، ليس فقط للتباري من أجل الظفر بهذا التكريم (تقدّم 239 متنافسا بينهم 70 قاصة، أكثرهم من مصر)، وإنما أيضا للاحتفاء بجنس القصة القصيرة من بين ألوان السرد، وللتأشير إلى تميّز نصوصٍ طيبةٍ ينتجها موهوبون وأصحاب خبرة وكفاءة في كتابة هذا الفن الذي بدا مغبونا في العقود الثلاثة الماضية، جرّاء طفرة الارتحال المهولة إلى الرواية، وشيوع مقروئيتها عربيا، وهو ما ساهمت فيه جوائز غير قليلة تُمنح للرواية، وأخرى للآداب عامةً، تحظى الأعمال الروائية بالنصيب الأهم فيها.
وللجنة التحكيم المقدّرة، برئاسة السعودي حسن النعيمي، أسبابُها في تمييز قصص شهلا العجيلي في كتابها "سرير بنت الملك" (بيروت، عمّان، الجزائر، 2016) عن قصص العُماني محمود الرحبي والعراقي لؤي حمزة عباس والسوري تميم هنيدي والأردني محمود الريماوي. وليس المقام هنا هو المفاضلة بين نصوصهم جميعا، وإنما التأشير فحسب إلى مواضع الغواية في المجموعة القصصية الفائزة بالجائزة الأولى، ولعل أولها بنية المفارقة القائمة على المفاجأة، ولا سيما في خواتيم هذه القصص، ذلك أن الضربة الإبداعية اللافتة في أغلب القصص الـ 23 التي يشتمل عليها الكتاب الصغير الحجم (70 صفحة) تحضر بشكل خاص في ذهاب القصة إلى مباغتة القارئ بما هو ساخر أو فانتازي أو ...، وهو في كل الأحوال مفارقٌ للواقع، يحتفي بالعجيب والغريب، كما هي معظم القصص، حيث لا أمكنة معهودة غالبا، إلا استثناءات معدودة، ولا أسماء للأبطال، وكأن النصوص توحي بإحالاتٍ إلى الإنساني العام، سيما وأن الحروب والاستبداد والاحتلال والظلم، وكذا الأحلام الفردية ٍوالاستيهامات الذاتية، وغير ذلك، ماثلة في ثنايا القصص، ومختبئة في مفرداتها.
ليس ثمّة مطرح للخط الكلاسيكي في القصة المعهودة، ولا حكاية من المألوف، ولا شيء من المعاش، وإنما متخيّل يقتنص مفارقاتٍ من الواقع، ويبني منها مقاصده المستترة، من حيث انكشاف الهشاشة الإنسانية، وإدانة القمع، والاحتفاء بممكنات الثورة والتمرّد، وما إلى ذلك مما في الوسع القبض عليه في تضاعيف القصة، لا في ظاهرها أو وجهها الأول. وذلك كله في تآلف البساطة مع مقادير من الدهشة، ومن ذلك أن القصة التي تحمل المجموعة اسمها تنشطر إلى قصتين، واحدة تكتبها كاتبة، عن بنت الملك التي يبني لها والدها دارا عالية جدا، ليحميها من عقرب كانت النبوءة أنه سيقتلها، لكنها لا تفلت منه، وأخرى عن مغرم بالكاتبة يريد أن يتحرّر منها، ويهرب من حضورها في الفضاء المكتوب والإلكتروني، لكنه لا يفلح، فذات هدأة له وهو يتناول شطيرةً، يقع على اسمها موقعا على قصة اسمها "سرير بنت الملك" في ورقة التفت بها الشطيرة. أما في "مذكرات حذاء سندريللا" فليس هذا الحذاء هو الموروث من حكايات الأطفال، وإنما هو الذي تضرب به الفتاة سندريللا من يتحرّش بها، من تتسبب بزحام في الشارع، وكذلك الحاكم الذي يتظاهر ضده المتظاهرون. وفي "ليلة انهار البناء" ثمّة قول تنطق به القصة مواربة، موجزه إن البناء الذي انهار ليس هو المبنى الذي من إسمنتٍ وحديد وسقوفٍ ومنازل، وإنما البناء الذي قام على التواطؤ والكذب والتخفّي والتدليس.
تجرّب شهلا العجيلي القصة القصيرة جدا، ذات الكثافة العالية والإيحاء الذي ينهض على الالتباس أحيانا، والغموض الذي يؤشر إلى الواضح والظاهر والمرئي، ولكن بعينين مغايرتين. وموجز القول إن الروح العامة لهذه القصص، وأنفاسها البادية والخافية، واللغة المباشرة، شديدة العادية أحيانا، تلك كلها وغيرها، بتضافرها في سردٍ حميم، ربما كانت أسباب فوز "سرير بنت الملك" بجائزة القصة القصيرة العربية التي تستحق التنويه والاهتمام والانتباه.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.