الراقصة والرئيس

الراقصة والرئيس

07 ديسمبر 2017
+ الخط -
لعبد الفتاح السيسي كلمات من خشب مذهّبة، وليس كل ما يلمع ذهباً، والزيف هنا هو صبغة الحكم، ودهان السلطان. لو أزيل الدهان لما بقي من كلماته سوى القش. وكلماته كلها "أفيهات"، هي هذر. ولأنها تصدر من أعلى هرم السلطة، تكتب بالإبر على آماق البصر، قال: "اللي ح يقرب لها ح أشيلو من وش الأرض". واحتار الناس في هذه الاستعارة الشعرية لمصر، فلا أحد في الخارج يهدّدها، وابن مصر المعارض هو في مصر، فكيف سيقترب منها، وهو فيها، ومنها، وانتشر فيديو في مواقع التواصل، شارحاً كلمة السيسي، مرفقاً مع صورة راقصة، فلا تستوي كلمة السيسي إلا بهذا التفسير، وكل بلادنا راقصة، ليس القصد أنها كثيرة الراقصات كما قال عادل إمام، بل هي بلاد راقصةٌ على طبقات جيولوجيا السياسة والدكتاتورية. أما الرقص، بمعنى هزّ الخصر، فإن الإقبال عليه يزداد في مواسم الانتخابات والاحتفالات الوطنية. الدعوة إلى الانتخابات هي دعوة إلى الرقص في بلادنا الديمقراطية الشمّاء: "ما تيجي نرقص". كما يقول عنوان فيلم إيناس الدغيدي.
أقصد إن البلاد راقصة، ومن غير موسيقى، وإلا لماذا يمنُّ علينا السيد الرئيس وجلالة الملك بعبارتين هما "الأمن والاستقرار"، "والأمن والأمان"، وهما، في الحقيقة، منّة وعطاء ملكيان، فهذه العبارة عندما ترد في الخطاب الإعلامي الرسمي، أو من الأئمة في المساجد، هي تهديد للشعب أو للأمة، والقصد منها: إياكم والتفكير في الدعاء على السيد الرئيس، أو التفكير في خلعه، أو معارضته، وإلا رقصت البلاد رقصتها الأخيرة على موسيقى التفجيرات، وأنغام الاعتقالات.
والسيسي، إن لم يقتل الشعب المصري "بالشيل من وش الأرض"، أو عطشاً بالتواطؤ على سدِّ النهضة الحبشي، فإنه سيقتله بالرقص الطغياني. وكان قد صرّح تصريحاً مضاداً لوعيد "الراقصة"، عندما ذُكّر بنقص المياه، فقال إنه واحدٌ من الشعب، وينتظر رأي البرلمان والشعب، فانظروا كم هو متواضعٌ، وديمقراطي، وقليل الحيلة. يغضب للراقصة غضبةً مضرية، ويتحوّل إلى مسكين، يأكل القط عشاءه في حالة الحبشة.
اليابان من أكثر بلاد العالم زلازل وكثافة سكانية، فهي ترقد على طبقات جيولوجية هشّة وصابونية، ما تلبث كل فترة أن تنزلق أو تتكسر. واليابانيون يحبّون وطنهم، مثل كل الشعوب. ويبنون عماراتٍ وأبنيةً لها نوابض، لامتصاص صدمات الزلازل. والحكومة اليابانية تدرب الشعب على مواجهة الزلازل. وتقوم دورياً بعمل تمريناتٍ في المدارس والمعامل.
ونحن من نصف قرن، منذ نشوء الدولة الوطنية، نعيش قلق موت الرئيس في البلاد الجمهورية، خوفاً من الثور الذي يحمل البلاد على قرنيه، هو الوحيد الذي بيده طبلة الراقصة، وله وحده قدرة ترويض الفوالق الجيولوجية السياسية، عنده أسرار جيولوجيا البلد كلها. الراقصة سترقص له وحده في الغرفة السرّية وكهف الملذات.
لا أحد مطمئن، لا التاجر، ولا الداعية، وإذا كان التاجر يحاول خداع زلازل محمد بن سلمان بالنشيد الوطني، كما فعلت شركةٌ مشهورةٌ في اجتماع صباحي غريب، درءاً لخطر الزلازل، فإن الداعية مدعو إلى التنازل عن ثلث عقيدته، أسوةً بالمليونير الفاسد الذي تنازل عن ثلث ثروته.
يدير السيد الرئيس البلاد الراقصة بالطبل. اليابان روّضت الزلازل، وفي الكوارث الطبيعية، والمحن يتعاطف البشر، ومن الواجب أن يتعاطفوا مع الضحية في حال الطبال الأشر، لكن ما حدث أن العالم الأول يحبُّ الرقص الشرقي والرئيس الطبال.
يروي فيلم "الراقصة والطبال" من تأليف إحسان عبد القدوس، وبطولة أحمد زكي ونبيلة عبيد، قصة ندم الطبال عبده، على رفضه الزواج من الراقصة مباهج التي درّبها على إحداث الزلازل في نفوس الرجال، وجعلها راقصةً مشهورة، فيتلقفها المعلم هريدي ويقطفها، ويكون مصير الطبال عبده الجنون. لم يكن في بال المؤلف التفكير في دعوة الراقصة إلى التوبة. وها هي مباهج، وقد صارت من نصيب هريدي الإماراتي وهريدي السعودي، وعبده المصري يدقّ لمباهج على الطبلة، بقرنيه.
683A43FF-D735-4EBA-B187-3AC9E42FAE32
أحمد عمر

كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."