ما هكذا تورد الإبل

ما هكذا تورد الإبل

06 ديسمبر 2017
+ الخط -
بيْن بيان أصدره معارضون سوريون، مرفق بدعوة للتوقيع عليه، ضد مخرجات مؤتمر الرياض 2، وخصوصا وفده إلى مفاوضات جنيف 8، وهاشتاغ "#الهيئة_العليا_للمفاوضات_لا_تمثلني"، أطلقه على مواقع التواصل الاجتماعي عدد آخر منهم، وجد وفد التفاوض العتيد نفسه محاصرا، وتحت ضغوطٍ ضخمةٍ من النظام وحلفائه، روسيا بشكل خاص، ودول شقيقة وصديقة، كل لاعتباراته وحساباته وأهدافه الخاصة، وهذا أثار أسئلةً استفساريةً واعتراضيةً بشأن موقف المعارضين الذين وقفوا ضد مخرجات المؤتمر وتركيبة وفده، في لحظة سياسية شديدة الخطورة والمصيرية.
إذا كان رفض النظام أجزاء من البيان الختامي، وموقف وفد المعارضة من هدف المفاوضات وأولوياتها، وشكل النظام المستهدف، منطقيا، لأنه (النظام) لا يريد الدخول في مفاوضاتٍ سياسيةٍ أصلا، لأنها ستضعه، عاجلا أم آجلا، أمام خيارات تغيير سياسي وأمني بمستوى أو آخر، وهو الذي لم يقبل إلا عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل ثورة الحرية والكرامة. وإذا كان تناغم حلفاء النظام مع رفضه مفهوما، لتقارب الأهداف، من جهة، ولأنهم مازالوا بحاجةٍ إلى التغطية القانونية التي يقدمها لحضورهم على الأرض السورية، ولدورهم العسكري والسياسي في الصراع على سورية، من جهة ثانية، فإن موقف المعارضين الأشاوس الرافض البيان الختامي، وتركيبة الوفد المفاوض، غير مفهوم أو مقبول، وهذا ليس لأن البيان الختامي كامل مكمل، وتركيبة الوفد المفاوض عظيمة، بل لأن موقف الرفض يفتقر إلى الحصافة والنباهة والسياسة، فموقفهم لن يصحّح الخطأ ويغير المسار، بقدر ما سيخدم الخصوم بنقل المعركة إلى داخل صفوف المعارضة، وبين فرقها المتباينة والمتعارضة على خلفيات سياسية
وتنظيمية وولائية، من جهة، وبتقليص مساحة الحركة والمناورة أمام الوفد، عبر التشكيك بشرعيته وقدرته على تحمّل المسؤولية والالتزام بتنفيذ الاتفاق الذي يمكن أن يبرم معه، من جهة ثانية.
إذا كانت حساباتٌ إقليميةٌ ودوليةٌ قد لعبت دورا مؤثرا في ادارة مؤتمر الرياض 2، وفي ضبط مخرجاته، إن لجهة المحتوى المتناقض والملتبس لبيانه الختامي، أو لجهة تركيبة الوفد المفاوض، وآلية عمله طوال فترة التفاوض، فالحصافة، والتصرّف السياسي المنطقي والعملي كذلك، تقتضي تركيز النار على الخصوم، لكشف غاياتهم وخططهم ومناوراتهم وإبراز مطالب الثورة، والسعي إلى التأثير على مجريات التفاوض، خدمة لهذه المطالب. فالمنطقي في مثل هذه الحالة تثبيت المكاسب وتعزيزها، النظر بإيجابية إلى نصف الكأس الممتلئ، لا تبديده، العمل على تحقيق مكاسب لملء النصف الفارغ من الكأس، فالوفد، بتركيبته السياسية المتنوعة وغير المنسجمة والهشّة، فيه أطراف وشخصيات متمسكة بأهداف ثورة الحرية والكرامة في التغيير السياسي، وتحقيق الانتقال إلى نظام ديمقراطي عادل، يحقق المساواة بين المواطنين من دون تمييز أو إجحاف، وهي (هذه الأطراف والشخصيات) بحاجةٍ ماسّة إلى ما يقوّي موقفها، ويعزّز رأيها كي تنجح في قيادة عملية التفاوض، بلجم أطراف في الوفد، غرّدت خارج سرب الثورة، لحساباتٍ خاطئة أو تحت تأثير دول راعية، وتوجيه المفاوضات نحو أهداف الثورة، أو الإبقاء على الكرة في ملعب النظام وحلفائه في أقل تقدير، كان على المعارضين المتحفظين أو رافضي مخرجات مؤتمر الرياض 2 تقديم دعم مشروط للوفد المفاوض، دعمه وتأييده بقدر تمسّكه بمطالب الثورة، وتعزيز موقف الأطراف والشخصيات الصلبة عبر تحرّك عملي بالمقالات والهاشتاغات والاعتصامات والتظاهرات التي تعلن التمسك بأهداف الثورة، ورفض التخلي عنها، ومواجهة الضغوط الإقليمية والدولية التي تعمل على حرف المفاوضات، بعيدا عن مقتضيات القرارات الدولية ذات الصلة، وخصوصا بيان جنيف 2012 وقرار مجلس الأمن 2218، كان المطلوب تحريك تظاهراتٍ واعتصاماتٍ وتفعيل هاشتاغات وكتابة مقالات رأي بكثافة، من أجل تجسيد موقف الشعب السوري بالتغيير، وعكس صورة المأساة التي يعيشها، نتيجة ممارسات النظام، ودور حلفائه فيها، واستخدامهم القوة والبطش ضد ثورةٍ سلميةٍ، قامت ضد القهر والتمييز: أعداد القتلى بالرصاص الحي والقذائف والصواريخ والبراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية، القتلى تحت التعذيب، الجرحى، أصحاب العاهات الدائمة، أعداد المعتقلين، المفقودين، المنازل والمشافي والمدارس المدمرة، التجويع حتى الموت، التهجير القسري، التغيير السكاني، لوحة متكاملة (أرقام وصور) لواقع الشعب السوري، حاضره المرير ومستقبله الموعود، ترفع في وجه النظام وحلفائه والقوى الإقليمية والدولية، تبقى ماثلةً للعيان، كي لا يستهان بنا، ويبخس شعبنا تضحياته من أجل حياة أفضل، في ظل الحرية والكرامة. بعض من الروية والحصافة والخيال، هداكم الله.