إعادة إنتاج النظام الرسمي العربي

إعادة إنتاج النظام الرسمي العربي

06 ديسمبر 2017
+ الخط -
شكّل انهيار النظام الرسمي العربي تحت وقع الانتفاضات العربية، مطلع العقد الحالي، تتويجاً لمسار عجزه واهترائه، وفشله منذ الاستقلال في بناء دول حقيقية تقوم على المواطنة والتنمية والديموقراطية واحترام حقوق الإنسان. وترافق مسار العجز مع تفكك البنية الداخلية للمجتمعات العربية التي غرقت في مستنقعات التجهيل والتطرّف مع عجز تلك المنظومة المستبدة عن اشتقاق خياراتٍ إنسانيةٍ ديموقراطيةٍ، ما ترك الأمة نهباً للصراع بين الأقطاب الدولية والأطماع الإقليمية التي كانت تعتبر أن هذه المنطقة هي مجال نفوذها، ومكمن وجودها على الساحتين، الدولية والإقليمية.
مع انهيار الاتحاد السوفياتي السابق، وانفراد الولايات المتحدة الأميركية في قيادة العالم، باتت مفاهيم الديموقراطية وحقوق الإنسان والتنمية العناوين الكبرى التي تسعى الولايات المتحدة إلى فرضها على العالم ما بعد نهاية التاريخ، فكان الوطن العربي ما بعد زلزال احتلال العراق الكويت، وانهيار الأفكار الكبرى، يرزح تحت نير أنظمة مستبدّة، تنتمي عملياً لحقبة الحرب الباردة ومفاهيمها، فكان الانفجار الكبير في انتظار شرارةٍ صغيرةٍ أوقدها محمد البوعزيزي في الريف المغاربي الكبير.
غير بعيدٍ عن هذه الإرهاصات، كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يترّقبون حالة الانهيار والعجز 
على مستوى النظام الرسمي العربي، وكانت أحداث "11 سبتمبر" المحفز الذي دفع النقاش حول عجز المنظومة العربية من القاع إلى القمة، ليظهر مفهوم الشرق الأوسط الجديد، ومشاريع نشر بذور الديمقراطية، وإن كان على ظهر الدبابة الأميركية في العراق الذي كان يعد ليكون النموذج الأميركي الأبرز للتغيير، فكان الإسلام السياسي، وما يمتلكه من قاعدة جماهيرية عريضة، معقد الأمل على التقاط هذه اللحظة وإنجاز التغيير المنشود.
مع اندلاع الانتفاضات العربية، كان الإسلام الساسي أمام خيارين: الشراكة مع القوى الديمقراطية على ضعفها، أو الذهاب إلى الانفراد بنتائج الربيع العربي ومآلاته. وهو ما كان، ما فتح الطريق أمام النظام الرسمي العربي لالتقاط أنفاسه، والإجهاز على ما تحقق من نتائج الربيع العربي، ومسار التحول الديمقراطي الناشئ، والإجهاز على الإسلام السياسي في الوقت نفسه.
جاء الرد الرسمي العربي مع هدم دوار اللؤلؤة في المنامة في مارس/ آذار 2011، ليشكل اغتيال السفير الأميركي في ليبيا في سبتمبر/ أيلول 2012 الشرارة التي أحرقت غلال السلام السياسي من السلطة من المحيط إلى الخليج، تزامن ذلك مع إطاحة الرئيس المصري، محمد مرسي، ومن ثمّ تأهيل خليفة حفتر للسيطرة على ليبيا، أو فرض وجوده على الأرض، وإنهاك تجربة حزب النهضة في الحكم في تونس، وتعطيل تجربة حزب العدالة والتنمية المغاربي، وأخيراً مقاطعة قطر بوصفها الدولة التي تبنت خيار الإسلام السياسي، ليأتي قبول فكرة بقاء الرئيس السوري بشار الأسد، محصلة حقيقية لهذا المسار المتعرّج والطويل.
لاحقاً لذلك كله، شكلت القمة العربية والإسلامية مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في الرياض، تتويجاً لمسار إعادة إنتاج النظام الرسمي العربي، حيث أدّى صعود ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة في مواجهة هيلاري كلينتون، والتي كانت تحرص، في تصريحاتها، على التأكيد على أولوية الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان في مقابل شعارات ديماغوجية شعبوية، يردّدها الملياردير الرئيس الذي رفع شعار أميركا أولاً، في رد واضح وحاسم على التطلعات السابقة لنشر القيم والأفكار الأميركية في العالم.
فوّض ترامب العربية السعودية، بعد أن أمّنَ 500 مليار دولار من خزائن الخليج كفيلة بإنجاز 
وعوده في برنامجه الانتخابي، بنفضِ خزائن الخليج الذي يتلقى الحماية الأميركية، وأطلق يدها في المنطقة في مواجهة الإسلام السياسي وإيران معاً، على العكس من الرسائل القوية التي حرص الرئيس السابق، باراك أوباما، على التأكيد عليها في آخر زيارة للمنطقة بالحديث عن ضرورة مواجهة المشكلات الداخلية في الدول العربية، وبالتحديد الخليجية وفي مقدمتها السعودية، وعلى ضرورة الحوار مع طهران، والتوصل إلى تفاهم معها، بوصفها زعيمة النظام الرسمي العربي، لتقود معركةً مضادّة للربيع العربي تحت عنوان إعادة إنتاج النظام الرسمي العربي، في مواجهة مسار هدمه، لتحل ثنائية الاستبداد والتنمية، وتُغيِّب أي حديث عن الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، وطي صفحة الربيع العربي.
تخوض السعودية اليوم معركةً لتثبيت خيارها، إعادة إنتاج النظام الرسمي العربي، وإعادة تأهيله، تحت عناوين التنمية، وتبني الرؤية الغربية على مستوى الاقتصاد النيوليبرالي، وتجاوز كل الثوابت التي حكمت المنطقة، ابتداءً من الإسلام الوهابي الذي يجري اليوم التبشير بتصحيح تراثه، وانتهاءً بملف القضية الفلسطينية، وقبول وجود إسرائيل جزءًا من المنطقة، عبر ما تسمى "صفقة القرن".
قد يكون النظام الرسمي العربي قد تمكن من استيعاب الهزّة الكبرى التي وقعت مطلع العقد الحالي. ولكن في ظل حالة التغيير الكبرى التي تجتاح العالم في ظل الطفرة التكنولوجية ووسائل التواصل، سيكون الخيار الديموقراطي واحترام حقوق الإنسان الفصل الأخير الذي سيكون على النظام الرسمي العربي أن يقف أمامه عاجزاً ليتم طي هذه الصفحة من تاريخ الأمة، وإن تأخر أوانها.
يشهد العالم اليوم ولادة نظام دولي جديد، وأنظمة إقليمية جديدة وأنظمة عربية جديدة، وكل محاولات إحياء النظام الرسمي العربي سيكون مصيرها الفشل الذريع، في زمنٍ يتحول فيه الغرب، ويثبت المارد الروسي قوته وأقدامه أكثر حضوراً في الإقليم الشرق أوسطي.
78D57413-9DA6-427B-B957-612337B4E39B
78D57413-9DA6-427B-B957-612337B4E39B
منصور المعلا

كاتب ومحلل سياسي اردني، بكالوريوس في العلوم السياسية

منصور المعلا