أخطر ما جرى في 2017

أخطر ما جرى في 2017

01 يناير 2018
+ الخط -
انتهى عام 2017، وخلّف وراءه تركة ثقيلة مُحمَّلة بالألغام، قابلة للانفجار في العام الجديد، والأعوام التالية. أخطرها أن فرض الأمر الواقع صار الطابع الأبرز لتحرّكات الدول وسياساتها في قضايا عديدة. فقد كان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، واضحاً في تبرير قراره نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس، بأنه "اعتراف بالأمر الواقع". والمشكلة هنا هي في "المنطق" الذي استند إليه ترامب، أي "الأمر الواقع". فالاحتكام إلى الواقع على الأرض، وإغفال كل المحدّدات والأبعاد الأخرى، إنما يعني مباشرة إسقاط تلك الأبعاد تماماً من الحسابات المستقبلية المتعلقة بالقضية، قانونية أو سياسية. بما معناه أن "الأمر الواقع" يصلح أن يكون مرجعيةً وحيدةً للتعامل مع قضايا وملفات شديدة الأهمية والتعقيد، بل وكانت سبباً في صراعات ممتدة بين الدول. والتعويل على (أو بالأحرى التذرّع) بعدم المساس بالأبعاد الأخرى، خصوصاً القانونية، هو تبرير متهافتٌ سياسياً وقانونياً أيضاً، فضلاً عن أنه ساقط أخلاقياً.
مقابل الانطلاق من "الأمر الواقع" في تثبيت أوضاعٍ غير قانونية، أو اختلاق حقوقٍ ومكتسباتٍ لا أساس لها، شهد عام 2017 تصاعداً ملحوظاً في ظاهرةٍ أخرى، هي "النزعات الانفصالية". والتي يمكن تسكينها في النمط نفسه الذي يتعامل مع "الأمر الواقع" لكن في الاتجاه العكسي. أي اتجاه رفض الأمر الواقع القائم، والعمل على تغييره، بمعزل أيضاً عن الاعتبارات والأبعاد الأخرى.
وعلى الرغم من أن التوجهات الانفصالية ظاهرة قديمة ممتدة قرونا مضت، إلا أنها تنامت بشكل مضطرد في الأعوام الأخيرة، وشهد عام 2017 إقدام كل من كردستان (العراق) وكتالونيا (إسبانيا) على إجراء استفتاء شعبي حول الانفصال وإقامة دولة مستقلة. وعلى الرغم من أن نتيجة الاستفتاء في الحالتين كانت نسبة تأييد كبيرة للانفصال، إلا أن ضغوطاً داخلية وخارجية حالت دون تطوير ذلك التوجه، والتوقف في المسعى الانفصالي عند نقطة الحصول على الدعم الشعبي الداخلي.
في حالات متعدّدة، كان "الأمر الواقع" عنواناً تستّرت خلف واجهته التوجهات الانفصالية، وغلّفت مساعيها إلى إقامة دولة مستقلة. سواء كان ذلك استناداً إلى واقع فعلي، يمثل محرّكاً أساسياً ودافعاً نحو الانفصال، كما بالنسبة لكردستان وكتالونيا، حيث يقدم كل إقليم، بنسبةٍ كبيرةٍ، في اقتصاد الدولة الأم. أو اعتراضاً على "الأمر الواقع" القائم، والذي ترى فيه بعض الاتجاهات الانفصالية غُبناً أو تهميشاً بأشكال متعدّدة. كما هو الحال بالنسبة للأورومو في إثيوبيا، وأزواد في مالي، والعرب السُنة في الأحواز (عربستان) في إيران، والمسلمين (حركة مورو) في جنوب الفيليبين، والهندوس (نمور التاميل) في سريلانكا.
ليس جوهر أزمة التوجهات الانفصالية في العالم في "الأمر الواقع" بحد ذاته، فهو في بعض الحالات واقع إيجابي، ومواتٍ إلى درجة أنه يمثل حافزاً و"رافعةً" للتحرك نحو الانفصال. وفي حالات أخرى، يكون الأمر الواقع ضاغطاً وسلبياً إلى حد يدفع نحو العمل على تغييره والانسلاخ منه. وفي كل الأحوال، تلعب العوامل الأخرى، أو بالأحرى، طريقة التعاطي مع ذلك "الأمر الواقع" الدور الأكبر في طريقة إدارة، ومن ثم مآلات التوجّه الانفصالي، بالنجاح أو الإخفاق أو التأرجح بينهما.
الخطر أن اعتماد منطق "الأمر الواقع"، والتحايل على الحق والحقائق، يرسي مبدأ استخدام كل الوسائل المتاحة للتعامل مع هذا الواقع. سواء لتثبيته وترسيخه، أو لتغييره. وفي الحالتين، تكون النتيجة إهدار المبادئ والقواعد والمعايير الموضوعية بأوجهها المختلفة، خصوصا القانونية والسياسية. ويتحول كل "أمر واقع" إلى ساحة صراع مفتوح وممتد، يعيد العالم قرونا إلى الوراء. ويعود الإنسان بدوره إلى الحياة البدائية، والعمل بمبدأ البقاء للأقوى، القادر على فرض الأمر الواقع أو تغييره.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.