كردستان العراق وخيار التحالف مع المالكي

كردستان العراق وخيار التحالف مع المالكي

28 ديسمبر 2017

مصادمات بين محتجين وقوى الأمن في السليمانية (18/12/2017/الأناضول)

+ الخط -
خلافا للمعادلة التي تقول إن الدولة تأتي بعد الثورة، يشهد إقليم كردستان العراق ما يشبه ثورة عارمة ضد سلطته السياسية، فقد أظهرت خسارة الكرد كركوك، وبشكل درامي عقب الاستفتاء على الانفصال، هشاشة البنيان السياسي في الإقليم من جهة. ومن جهة ثانية، عمق الشرخ بين الجماهير التي تئن تحت وطأة الظروف المعيشية الصعبة، وبين سلطة الأحزاب الحاكمة التي تفكر بالمحاصصة، ومشغولة بمصالحها الحزبية والاقتصادية والعائلية أكثر من أي شيء آخر، وما الاتهامات المتبادلة بين هذه الأحزاب باحتكار السلطة والثروة والقرار وممارسة الفساد، بل والخيانة، إلا تعبير عن واقع حال هذه الأحزاب وممارساتها، ولعل إحساس المواطن الكردي بخسارته الحلم بإقامة دولة كردية مستقلة، بعد أن اعتقد أنه بات قريبا، وربما قضية أيام عشية الاستفتاء، زاد من قناعته بالخروج إلى الشارع بقوة، ولمطالبة الحكومة بالاستقالة، والشروع في إصلاحات سياسية واقتصادية جذرية.
وعليه، لا يمكن النظر إلى التظاهرات الجارية في كردستان العراق، احتجاجا على الظروف المعيشية الصعبة، بعيدا عن العامل السياسي، ولعل هذا ما تخشاه سلطات الإقليم التي سارعت إلى تطويق الاحتجاجات، وفرضت إجراءات أمنية غير مسبوقة لوأدها، مع أنها قالت مرارا إن التظاهرات حق في إطار ممارسة الديمقراطية، وربما من أجل التنفيس السياسي والاحتقان الاجتماعي، حيث تتخوف السلطات من أن تتحول هذه التظاهرات المطلبية إلى تظاهرات سياسية شاملة، تخرج عن طابعها المطلبي إلى ثورة شاملة تطيحها، خصوصا بعد انسحاب حركة التغيير والجماعة الإسلامية من الحكومة، وإعلان بعض الأحزاب وقوفها مع مطالب المتظاهرين، وتزايد الدعوات إلى استقالة الحكومة.
قد تقول سلطات الإقليم إن لها مبرّراتها إزاء تدهور الوضع الاقتصادي في الإقليم، منها ما هو متعلق باستمرار وقف الحكومة العراقية دفع المستحقات المالية للإقليم، وأخرى بنضوب الموارد المالية للإقليم، خصوصا بعد انهيار أسعار النفط وخسارة كركوك وتراجع كميات تصدير النفط. وربما تذهب إلى القول إنها مستهدفة من بغداد وطهران وأنقرة، على خلفية تداعيات الاستفتاء، بعد الحصار الذي فرض على الإقليم. لكن كل ما سبق لا يغير من قناعة المواطن الكردي بحجم الفساد في الإقليم، ووصول نموذج الحكم القائم على المحاصصة الحزبية إلى طريق مسدود، لاسيما أن الوعود المتكرّرة بالإصلاح، وتحسين الوضع المعيشي لم تعد مقنعة للمواطن الذي يعيش في يأس شديد. السؤال هنا، ماذا ستفعل قيادة الإقليم لمواجهة الأعاصير التي تعصف بها من كل الاتجاهات؟
واضح أن كل الطرق تتجه نحو بغداد التي ما تنفكّ ترفع سقف شروطها للحوار مع أربيل. ومع أن لا جديد في المشهد السياسي حتى الآن يمكن الرهان عليه في إطلاق مثل هذا الحوار، إلا أن التصريحات التي أطلقها نوري المالكي، وعلى قناة تلفزيونية كردية قبل أيام، عن ضرورة دفع المستحقات المالية للإقليم، وحديثه عن العلاقة التاريخية والأخوية مع الكرد، تدفع المرء إلى الاعتقاد بأن ثمة ما يجري أو يخطط له تحت طاولة، ربما يكون عنوانه التحالف من جديد بين الكرد والمالكي في الانتخابات المقبلة، فالثابت أن المالكي لا يقبل الخروج من المشهد السياسي، وأن هذا التحالف قد يصبح ضرورة قصوى له، مع صعود نجم منافسه حيدر العبادي، ويبدو أن الإقليم لا مشكلة له في مثل هذا التحالف، طالما بات الخيار الوحيد أمام أزمته.
55B32DF5-2B8C-42C0-ACB3-AA60C835F456
خورشيد دلي

كاتب سوري، عمل في قنوات تلفزيونية، صدر له في 1999 كتاب "تركيا وقضايا السياسة الخارجية"، نشر دراسات ومقالات عديدة في عدة دوريات وصحف ومواقع إلكترونية.