"الإخوان" بين سرقة الغسيل والمذكّرات

"الإخوان" بين سرقة الغسيل والمذكّرات

28 ديسمبر 2017

وديع فلسطين.. لم يكتب مذكرات عن حسن البنا

+ الخط -
شيء وحيد تفوقت فيه السلطات المصرية في إدارة المحن والمظالم على العالم كله، حتى قبل الجبرتي وابن إياس بزمن بعيد، هو تحويل المظالم إلى فانتازيا زاعقة، فانتازيا تثير ذلك الضحك الذي يشبه البكاء، فانتازيا تسعى إلى غطاء كوميدي يقلل من هول المظالم. تسعى السلطات المصرية إلى هذا النحو، خفيفة الدم كانت أو ثقيلة الدم، وفي الغالب الأعم تكون ثقيلة الدم.
فالإخوان المسلمون في ميدان رابعة العدوية هم الذين قتلوا بعضهم بعضا، والجيش والشرطة بالطبع كانا يوزعان على الجماهير المرطبات والترمس والمصاحف. وإن "الإخوان" أيضا هم الذين قتلوا المطربة أسمهان، كما أعلن ثروت الخرباوي. أما عن سبب موت الشاب والباحث الإيطالي، جوليو ريجيني، فليس هو البحث، ولا السياسة، ولا دعمه ثورات الربيع العربي، وإنما لأنه "كان شمال"، وإن ابنة محمد البلتاجي لم تقتل، لكنها تعيش في السودان، وإن رئيس مجلس الشعب، محمد سعد الكتاتني، عليه قضية سرقة غسيل من على حبل.
شيء يذكّرك بألعاب الحواة، ونصب أسواق المواشي والموالد وابتلاع الشفرات والنار، عِدّة موجّهة من الصحافيين والإعلاميين. شبكة واسعة من المحللين والاستراتيجيين والقادة، بعدما اقتحموا الأسطول السادس الأميركي في شرخ المحيط، وأخذوا قائد الأسطول رهينة إلى الآن، وقيل إنهم سمحوا له بالتجارة في الفول المدمس، كي يحسّن دخله، ويعود إلى بلاده هو وبناته ببعض الرزق الحلال الطيب.
فانتازيا خفيفة الدم هي المصدر الأساسي للحكي في مقاهي مصر، وأرباب المعاشات والعواطلية وبيّاعين الكلاب والحمام والعصافير في أسواق الجمع والإمام وغيطان مصر وربوعها، فانتازيا تعين على العيش على الرغم من قسوته.
ولعل آخر تلك الحوادث العجيبة والمثيرة للشفقة على هذا النظام بالطبع، كانت حادثة الاعتداء على الكاتب وديع فلسطين، من ملثمين داخل بيته في مصر الجديدة. لاحظ أن الشيخ في الخامسة والتسعين من عمره، ولم يكن له باع في الهجوم على "الإخوان المسلمين" مثل رفعت السعيد. ثم طيّرت صحيفة الحياة تقريرا للزميل سيد محمود بدأته بالآتي: "عاش حياة هادئة جدا سنوات طويلة في بيته البسيط بضاحية مصر الجديدة شرق القاهرة، لكن الواقعة التي عاشها صباح أمس جاءت لتكسر هذا الهدوء، علما أنها لا تخلو غالبا من تداخل بين ما هو إنساني وسياسي". هنا بدأت أستعد لباقي سيناريو سوف يكون مطبوخا جيدا، ولم ينتظرني السيد لويس جريس لتأخذني الظنون، فإذا بعد ساعتين يعلن بكل جرأة ووضوح: "إن الذين دخلوا لم يكونوا لصوصا، بدليل أنهم لم يسرقوا الـ1000 جنيه التي يحملها وديع فلسطين، ولم يسرقوا الساعات الكثيرة التي كانت على مكتبه، واكتفوا فقط بسرقة المذكرات التي كان وديع فلسطين يكتبها عن لقائه بحسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، وكانت المذكرات تحت اسم إخوان الشياطين). قلت إذن أكمل الملعوب شهوره التسعة، ويريد فقط قطع الخلاص.
بعدها بيوم، وقد كان الرامي تخلص من سهامه وسمومه، يتراجع السيد لويس جريس عن أقواله تماما، ثم دخلت السيدة صافيناز كاظم كالمدفع على الخط، وذكرت الآتي: "الحمد لله أخيرا تمكّنت السيدة وردة المختصة برعاية الأستاذ وديع فلسطين من الاتصال بي، ونفت نفيا تامّا ما نسبه الأستاذ لويس جريس إليها من أقوال خاصة بمذكرات حسن البنا، كتبها، أو كان يكتبها الأستاذ وديع فلسطين، فبرجاء للكافة أن يتوقفوا عن ترديد هذا الكلام الذي لا أساس له من الصحة".
لاحظ أن السيد لويس جريس ليس مراهقا، وقد دخل عالم الصحافة من شهرين بحثا عن الشهرة، بل هو شيخ يدقّ أبواب التسعين، وكان زوجا للممثلة التي فاقت شهرتها الآفاق، وكان اسمها "المعلمة فضة المعداوي"، فيا روح المعلمة فضة قولي للويس: عيب عليك.