لماذا لا يعاقب العرب ترامب؟

لماذا لا يعاقب العرب ترامب؟

25 ديسمبر 2017
+ الخط -
هدّدت واشنطن بمعاقبة الدول التي رفضت في الأمم المتحدة قرار نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة. وقالت المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة، نيكي هايلي، إن هذه الدول "لا تحترمنا، وعليها أن تدفع ثمن قلة احترامها أميركا". في تأكيد جديد لعودة أميركا مع ترامب إلى منطق رعاة البقر ولغة القوة.
تدعو هذه البلطجة الأميركية إلى التساؤل: إذا كانت واشنطن تفكّر في عقاب دولٍ، لأنها رفضت قرار ترامب، فلماذا لم يبادر العرب قبلاً إلى معاقبة ترامب على قرار مجحفٍ، لا عدل فيه ولا عقلانية؟ ولم لا يعاقبونه الآن؟
لجأ العرب إلى مجلس الأمن، وهم يعلمون مسبقاً أن من غير المتصوّر (وبالطبع من غير المنطقي) أن تُمرّر واشنطن قراراً دوليا مضادا لتحرك أو موقف أميركي. وبعد "الفيتو" الذي أشهرته، نقل العرب المعركة إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، قليلة الحيلة، في محاولة أخيرة لتسجيل موقفٍ، ليس أكثر.
حتى هنا، يمكن تفسير ذلك بالحرص على عدم استفزاز واشنطن، وتجنب إثارة أي قلاقل في العلاقات العربية معها، حتى ولو على حساب القدس، لكن السلوك العربي المهذّب، شديد الحساسية تجاه العلاقة مع واشنطن، لم يردع السيد ترامب عن المضي في حماقاته، فلم يكتف بما قرّر بشأن القدس، ولا بمنع مجلس الأمن من تأكيد ما هو مقرّر دولياً ومستقر منذ عقود. بل ذهب إلى حد معاقبة تلك الدول التي لم توافقه على قراره، و"تجرّأت" على إعلان ذلك.
معروفٌ أن ترامب يملك أن يعاقب العرب بصادرات السلاح واتفاقات الحماية والمعلومات الاستخباراتية المهمة لأمن الدول واستقرارها، أو بالأحرى نظم الحكم العربية. في المقابل، ماذا يملك العرب لمعاقبة ترامب؟ أولاً يملكون النفط الذي تُقلص واشنطن اعتمادها عليه تدريجياً، لكنه يظل مصدرا حيويا ورئيسا للطاقة في العالم، وفي إدارة موازين القوى العالمية وتوجيهها، بل وأحد مفاتيح حركة التجارة العالمية.
لم يعد النفط والغاز أداةً قابلة للاستخدام عربياً في إدارة العلاقة مع العالم الغربي، من دون سبب موضوعي. على الرغم من أنه يُستخدم في إدارة الصراع مع إيران، وفي أوقات أخرى أحياناً. وفي كثيرٍ من تلك الأوقات، يكون ذلك بالتوافق مع التوجهات الأميركية، إن لم يكن لحسابها حصرياً، خصوصا في أوقات التوتر مع موسكو. فبعد حرب 1973، ألقى العرب سلاح النفط من أيديهم، ولم يفكروا ولو مرة في الضغط على واشنطن، أو أي من العواصم الغربية، بورقتي النفط والغاز.
لكن الأوراق العربية/ الإسلامية ليست مقصورةً على النفط وحده، فالمنطقة العربية/ الإسلامية سوق استهلاكية ضخمة للسلع الأميركية بمختلف مستوياتها، من السلاح والصناعات الثقيلة إلى السينما والإنترنت خصوصاً شبكات التواصل الاجتماعي.
ومع حكومةٍ يديرها راعي بقر، يُسيّرها بعقل تجاري بحت، لا يفهم سوى لغة المال وحسابات المكسب والخسارة، فإن العقوبات الاقتصادية تعد الأداة الأكثر تأثيراً، بدءاً من سحب الأرصدة العربية الضخمة من المصارف الأميركية، وإعادة النظر في اتفاقيات التجارة الحرة التي وقعتها معظم الدول العربية مع واشنطن منذ سنوات، ولا تفيد سوى الصادرات الأميركية، والحد من الواردات الغذائية والاستهلاكية الأميركية، خصوصا مع وجود بدائل لها من مصادر مختلفة، من أوروبا والصين وأفريقيا.
وأخيراً، فإن تنظيم حملات دعائية لمقاطعة السلع الأميركية، خصوصا الترفيهية أو غير الضرورية، كفيل، حتى لو نجحت تلك الحملات، جزئياً فقط، بتكبيد الاقتصاد الأميركي خسائر مباشرة وغير مباشرة لا قبل له بها. فضلاً عن الضرر المعنوي الهائل الذي سيترتب على ضرب الهيبة وكسر العنجهية التي يرى بها ترامب العالم، ويخاطبه بها.
ترامب قادر على معاقبة العرب، وليّ أذرعتهم، لكن العرب قادرون أيضاً على معاقبته واشنطن وإيذائها بشدة. المسألة، إذن، ليست في القدرة وإنما في الإرادة. الواضح أن المشكلة ليست إذا كان العرب قادرين على معاقبة واشنطن، وإنما، هل هم يريدون؟
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.