مصائب لا تجمع

مصائب لا تجمع

24 ديسمبر 2017
+ الخط -
لم يكن قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل كافياً ليجعل الفلسطينيين يتّحدون في مواجهة المخاطر التي تواجهها قضيتهم، بل يبدو أن الأمور تسير عكس ذلك، مع التحذيرات المتتالية من انهيار عملية المصالحة بين حركتي فتح وحماس. تحذيرات أطلقها مسؤول "حماس" في غزة، يحيى السنوار، كانت تؤشر بوضوح إلى أن الاتفاق الذي أبرم في القاهرة أخيرا، والذي استبشر فيه الفلسطينيون خيراً، يلفظ أنفاسه الأخيرة بعد الفشل في تطبيق كثير من البنود، والخلاف الكبير على الأمن وسلاح المقاومة في قطاع غزة.
ليس كلام السنوار جديداً بالنسبة إلى فلسطينيين كثيرين، وخصوصاً أهل قطاع غزة الذين كانوا يعوّلون على اتفاق المصالحة لفك القيد المفروض على القطاع المحاصر، لكنه جديد على المتابعين من الخارج للوضع الفلسطيني، والذين ظنوا أن قرار ترامب بشأن القدس، وما يحمله من مؤشرات خطيرة على القضية الفلسطينية، سيكون كفيلاً بلم الشمل، والوحدة في مواجهة التطورات الجديدة، وخصوصاً بعد إقرار السلطة بانهيار العملية السلمية، أو أن الولايات المتحدة لم تعد الطرف المخوّل القيام بدور الوسيط في المفاوضات، وبما أن لا طرف ثالثاً يبدي استعداده القيام بهذا الدور، فمن الممكن استنتاج وفاة ملف التسوية حالياً.
لكن التصريحات العلنية لا تؤشر إلى حقيقة ما تفكّر فيه السلطة الفلسطينية، فلا خيارات أخرى بالنسبة إليها غير الخيار التفاوضي، بانتظار راعٍ جديد أو الدخول مع الراعي الأميركي الحالي في مساوماتٍ تخفف من ثقل قرار ترامب في ما يخص القدس. على هذا الأساس، لم تخفف السلطة الفلسطينية من شروطها تجاه حركة حماس، ولا تزال مصرّة على التصرّف كدولة ذات سيادة، في وقت تستباح فيه الحقوق ويعتقل الشباب في مناطق أ و ب، في ظل عجز فلسطيني، أو ربما تنسيق، أمام قوات الاحتلال.
لم يمنع هذا كله السلطة من فرض شروط على "حماس"، وغيرها من فصائل المقاومة، لإتمام المصالحة الفلسطينية، وفي مقدمتها تسليم الفصائل لأسلحتها في غزة، حتى يتسنى للسلطة بسط سيطرتها على القطاع، وإخراجه من دائرة العقوبات التي فرضتها هي نفسها على المواطنين الفلسطينيين القاطنين فيه. وتسليم السلاح يعني تسليماً بأنه لا خيار آخر للمواجهة بالنسبة للسلطة، وإذعاناً لكل الشروط التي فرضتها إسرائيل والولايات المتحدة، ومن ورائهما الدول العربية التي تسير في ركب صفقة القرن المشؤومة. فرض الشروط على حركات المقاومة، بغض النظر عن مدى الإيمان بجدوى العمل المسلح وجدّيته، يعني نزع كل أوراق القوة من أيدي الفلسطينيين، ليقفوا عارين أمام ضغوط الصفقة التي يجري العمل عليها في السر والعلن.
كان من الأجدى أن تعمد السلطة، في حال أرادت فعلياً مواجهة قرار ترامب، والمشاريع التي يتم الإعداد لها، إلى أن تجمع كل أركان الفصائل الفلسطينية، داخل منظمة التحرير وخارجها، للبحث في استراتيجية مواجهة على الأرض، على الأقل لتنظيم الحركة الاحتجاجية في حال كان الرئيس محمود عباس مصرّاً على استبعاد العمل العسكري، غير أن هذا لم يحدث مطلقاً، وبدلاً من أن تكون المصيبة فرصة للم الشمل وشد العضد، باتت وسيلةً لمزيد من الافتراق الذي يبدو أنه سيطول.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".