كيانات ودول تلطخ سورية

كيانات ودول تلطخ سورية

24 ديسمبر 2017
+ الخط -
بذريعة محاربة الإرهاب، تستمر الدول الكبرى في إرسال قوات منها لدعم فصائل معينة على حساب أخرى في الحرب السورية، سواءً في صف النظام أو المعارضة. وقبل أيام، أرسلت وزارة الدفاع الصينية إلى ميناء طرطوس قوات خاصة اسمها "نمور الليل" من الجيش الصيني، لمواجهة الحزب الإسلامي التركستاني، وحركة تركستان الشرقية الإسلامية التي يدّعي إعلام الأسد وجودها في ريف دمشق، علماً أن عناصر الحركة والحزب أولئك تتركز معسكراتهم في ريف إدلب الغربي وريف اللاذقية الشمالي، ولم يتم تسجيل وجود أي مقاتل من هذا الفصيل في المناطق المحرّرة في ريف دمشق.
وتعتبر الصين المقاتلين التركستان من أبرز خصومها في تركستان الشرقية. وقد سهلت لهم، عند بداية الثورة السورية، وإلى جانب القوى الدولية المتصارعة في سورية، معظم الطرقات والسبل للمشاركة في "نصرة الشعب السوري" على الطريقة الجهادية القاعدية، حسب زعمها.
كذلك الأمر بالنسبة لوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) التي كشفت عن وجود ألفي جندي أميركي شمال سورية خلف أدواتها من مليشيات قوات سورية الديمقراطية لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أخيرا. وعلى الرغم من نهاية المهمة، أكد "البنتاغون" بقاء قواته إلى أجل غير مسمّى! وجنوباً أيضاً ثمة عمليات عسكرية أميركية عبر غرف الاستخبارات على الحدود الأردنية لمحاربة "داعش"، في أرياف درعا من جهة، عبر بعض فصائل الجيش الحر التي أوقف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، برنامج دعمها منذ أسابيع، على الأرجح حتى لا تقاتل النظام، ومن جهة أخرى لضمان أمن إسرائيل بالتنسيق مع روسيا.
أما إيران، حليفة الأسد، فإنها ترسل مليشياتها وفصائلها الطائفية إلى "الأماكن المقدّسة" في سورية، حسب زعمها، وإلى المدن التي تحوز ثروات نفطية. وكانت لها مشاركة فاعلة في معارك دير الزور، كما كان لها حضورها في معارك تدمر وحلب قبل قوات الأسد، بحثاً عن الآثار، واستيلائها على الأراضي الزراعية الخصبة في أرياف دمشق، والمناطق المتاخمة للحدود اللبنانية، عبر مليشيات حزب الله اللبنانية، مدّعية مساندة "محور المقاومة" ومواجهة مشروع "الخلافة الإسلامية". ويمكن للمتابع تلمّس خصومة غير معلنة مع حليفة الأسد من جهة أخرى، روسيا، التي ترتّب أوراق الجنوب السوري، حول درعا وأرياف السويداء وبلداتها، وذلك بمنع ميليشيات إيران، على كثرتها، من الوصول إلى هناك، والبدء بزراعة وحدات عسكرية روسية بذريعة "خفض التوتر"، من أجل الهيمنة على الطيف الدرزي، واستخدامه في قتال مليشيات النظام بوسائل مختلفة، لعل أبرزها إثارة أحداث حضر، أحد
الخزانات الدرزية المُستثمرة من قوات الأسد "الدفاع الوطني"، وذلك بقصف مواقع فصائل جبهة فتح الشام جنوب سورية، لترد تلك الفصائل باستهداف المناطق الدرزية على اختلاف ولائها. وبالتالي، تحقيق غاية روسيا بعدم وصول قوات النظام إلى تخوم "إسرائيل"، من دون وجود وسيط دولي متفق عليه. والمقصود هنا "التنسيق الروسي الأميركي" في اتفاقية "خفض التوتر".
أمّا تركيا، فقد ضمنت مناطق "درع الفرات" باعتبارها نقاط تقسيم لمواجهة "المشروع الكردي" شمال سورية. ومن جهة أخرى، للهيمنة على قوات المعارضة السورية، سواء "الجيش الحر" أو "هيئة تحرير الشام". ولعل الأخيرة أبدت وضوحاً في التفاهم مع القوات التركية في أثناء تنفيذ توزّع نقاط المراقبة العسكرية التي دخلت، وانتشرت تحت حماية عناصر من "تحرير الشام". كما تستخدم تركيا حلفاءها من المعارضة في المحافل الدولية للتفاوض مع روسيا وإيران على المحاصصة، وتوزيع توازن القوة الدولية. ويحدث ذلك كله فوق جثث السوريين، وبفضل تعدّد الكيانات الهائل بين مكونات الصراع الذي لم يعد للسوريين فيه سوى الدمار والتقسيم الطائفي والاحتلال البطيء وإنشاء القواعد العسكرية "الضامنة"، كما فعلت روسيا في الساحل السوري، والولايات المتحدة في مطار الطبقة العسكرية في الرقة ورعاية المخابرات التركية المجالس المحلية والشرطة في مناطق "درع الفرات".
وعبر استعراض سريع لحركة المليشيات على الأرض السورية، وتقسيم الولاءات، وتعدّد الكيانات الطائفية والعقائدية من جهة، والدولية "المحتلة" من جهة أخرى، نستنتج أن أغلبية ما يحدث في الواقع هو توزيع ثروات، برعاية "النظام والمعارضة"، إلى جانب صراع المرجعية الدينية المفجعة التي راحت تلوث معالم المدن بالأعلام الطائفية، وأعلام الدول "الحليفة – المحتلة"، وذلك كله لتعزيز حضور الكيانات وتعدّدها، واستخراج الحجج الدولية المناسبة للدخول في تقسيم الكعكة السورية الطافحة بالدماء والتهجير، تاركين التخلف الاجتماعي يتسع، وأحلام إعادة الإعمار تتساقط، لاستثمار الذاكرة السورية وجرفها أكثر نحو الاستقرار بأي ثمن!
ها هم المتصارعون اليوم يساهمون في تأسيس التقسيم، وتبادل تحيات "الإهانة" على حساب غياب معظم السوريين في المنافي، وعذابات البقية في الداخل بين قرارات دولية خبيثة وتفاهمات ضمنية لا تهتم لثورةٍ تديّنت وتسلحت وضلّت الطريق، بعد شهورها الأولى، لأنها لم تكن تعرف ماذا تعني السياسة في حكم الإجرام الأسدي.
وبالتوازي مع مسرحيات التفاوض، والاستقالات التي تعصف في صفوف "المعارضات" السورية، ربما لم ينتبه هؤلاء على ما سوف يفاوضون عليه، والجزء الأكبر من البلاد بات تحت سيطرة حلفاء النظام، والجزء الذي يليه بيد الولايات المتحدة، وما تبقى هو بين جبهة النصرة و"فصائل المعارضة" يتصارعون عليه بين حين وآخر، وبطاقة تنظيم الدولة الإسلامية هي كلمة السر التي تلطخ كيانات الدول المتدافعة في سورية على "محاربة الإرهاب"، واستقطاع قواعد عسكرية محتلة، بتفويضٍ سوري توقع عليه المعارضة حيناً، ويباركه النظام أحياناً أخرى، وكلٌّ على طرف شرعيته يرى قضيته في المقدمة، وتبقى الثورة تلهث، بحثاً عن هوية موحدة فوق أرض واحدة.