قمة إسطنبول.. سيناريوهات المواجهة

قمة إسطنبول.. سيناريوهات المواجهة

22 ديسمبر 2017

القادة وممثلو الدول الإسلامية في قمة اسطنبول (13/12/2017/الأناضول)

+ الخط -
بحثت قمة إسطنبول التي دعا إليها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، باعتباره رئيس الدورة الحالية لمنظمة دول التعاون الإسلامي، سبل التصدي لقرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة بلاده إليها. ووقعت دول المنظمة بيانا ختاميا يرفض الخطوة الأميركية، ويطرح استراتيجية رد وتحرك سياسي وقانوني ودبلوماسي عليها.
سقط الرهان أيضا على القول إن القمة الإسلامية التي احتضنتها تركيا لن تحقق آمالا كثيرة، بشأن نتائجها مع غياب زعماء دول محورية إسلامية عنها، وسقط رهان آخر على اختلاف المقاربات بين الدول المشاركة بشأن نص البيان الختامي ومضمونه ورسائله.
كرس اجتماع القمة حقيقة أن المنظمة، على الرغم من كل المآخذ والانتقادات، مازالت تعبر عن الصوت المشترك للعالم الإسلامي، وتسعى إلى حماية مصالحه. وعكس حقيقة نجاح تركيا في تخييب آمال بعض المراهنين على فرض مسودة البيان الختامي التي تريدها، والغمز من قناة التسرّع التركي في الدعوة إلى القمة، من دون تحضير تقني ولوجستي مفصل، وتقدم الرغبة التركية بوضع الجميع أمام الأمر الواقع الذي تريده، ما يتطلب خفض سقف التوقعات.
فشلت أيضا الضغوط التي مارسها بعضهم على الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، وعلى العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، حتى لا يشاركا في قمة إسطنبول. المفاجأة هنا كانت بأكثر من اتجاه: خطب ومواقف نارية من الرجلين، ورفض قرار ترامب الذي يعتبر غدرا سياسيا وخروجا عن الاتفاقيات والقرارات الدولية، لكن الأهم كان ظهور حقيقة أن أنقرة أعطت القياديين العرب فرصة إعداد مسودة البيان الختامي للقمة، وتحديد رؤية القرارات وشكلها، وخريطة الطريق التي سيقرها المجتمعون. وتحدث إعلاميون أتراك عديدون عن قبول تركيا خطوة القمة المصرية الفلسطينية في القاهرة، قبل اجتماع إسطنبول، أنها حلقة في إطار التحركات الهادفة للتنسيق قبل مؤتمر إسطنبول، وفرصة للمشاورات العربية بشأن النص النهائي للبيان الختامي، وأن غياب قادة بعض الدول، مثل العاهل السعودي والرئيس المصري والعاهل المغربي رئيس لجنة القدس، لم تفسره أنقرة اعتراضا على دعوتها إلى القمة الاستثنائية، أو نص البيان الختامي وقراراته.

يتجاوز الموقف التركي المعروف طرح الرد على تل أبيب وحدها، فالمواجهة في المرحلة المقبلة ستكون مع إدارة ترامب التي ارتكبت الخطأ الجسيم، كما قال وزير الخارجية التركي، مولود شاووش أوغلو، "فقضية فلسطين ليست من المسائل التي تقرّرها الإدارة الأميركية، ولا الكونغرس، ولا الكنيست الإسرائيلي، طالما أن القضية لا تزال طي التباحث والتفاوض بين أطراف الصراع". والمواجهة بالنسبة لأنقرة أيضا ستكون مع الذين يتجاهلون ما قبلوه في إسطنبول، والذين لن يجازفوا بتخريب علاقاتهم الجيدة مع الولايات المتحدة والأصوات التي بدأت ترتفع مطالبةً بإيجاد بديلٍ، يقوم بدور الوسيط والضامن والحيادي في عملية السلام، بعد الانحياز الأميركي الواضح لإسرائيل.
قد تفتح أنقرة الطريق هنا أمام شريكها الجديد روسيا التي وصفت قرار ترامب بأنه "أحادي الجانب، ويخرج عن إطار عملية التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين". خصوصا أن موسكو أبلغت الأتراك بخطورة ما فعله الرئيس الأميركي، لناحية عرقلة تحرّكها باتجاه إقناع الجانب الفلسطيني بقبول الإدارة على شرق القدس عاصمة لفلسطين في مقابل تسليم غربها إلى الجانب الإسرائيلي. وقد تجد أنقرة نفسها تنسق مع إيران لإسقاط خطة التلويح الأميركي، بالاستعداد لإعلان الحرب على إيران في محاولة لإبعاد الأنظار عن القدس، ومشروعه في إطاحة القضية الفلسطينية، والمساومة مع بعضهم، على إضعاف الدور والنفوذ الإيراني الإقليمي.
وستتبع تركيا ردها على رفض تل أبيب قرارت قمة القدس، باختصارها بالمواجهة مع أنقرة "انتهى العهد العثماني وعهد السلطنة، وتل أبيب لا تتلقى تعليمات من أحد" بالتشهير والتصدّي لمن ينسق مع الإدارة الأميركية التي قالت إنها اتخذت قرارها بعد التشاور مع "أصدقاء وشركاء وحلفاء" كثيرين، يتغاضون عما تقوله واشنطن إنها لا تريد أن تتخيل "وضعاً لا يكون فيه حائط المبكى جزءاً من إسرائيل".
وتسعى واشنطن لامتصاص الغضبة العربية والإسلامية ضدها في العالم، وتجاوز هذه المرحلة التي تراها ظرفية ومؤقتة، ولن تعرقل عزمها على مواصلة رعايتها عملية السلام في المنطقة، وتحاول تقديم تطمينات للفلسطينيين، من قبيل أن قرار ترامب لم يتعرّض لتعيين حدود المدينة، الأمر الذي يمكن أن يفتح المجال أمام الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية. ولكن، لا تريد واشنطن وتل ابيب أن يتابعا الرئيس محمود عباس، وهو يقول إن الفلسطينيين سيعملون على الحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وأن تعطيل القرار الأميركي يشمل التوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لمطالبتها بإيقاف ترامب عند حده، ورفض التعاون والتنسيق مع نائبه، مايكل بنس، خلال زيارته المنطقة التي تم إرجاؤها إلى يناير/ كانون الثاني المقبل. وقد قال عباس إن قرار ترامب عطل كل شيء، فيما يريد دعم التحرك الأميركي إلى استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وقد يكون الخيار المتبقي لواشنطن إقناع حركة حماس والقيادات في غزة بالجلوس معا، والإصغاء إلى ما سيقوله المسؤول الأميركي "على أن هذه الخطوة ستسهل الحوار بين إسرائيل وفلسطين"، فمن سيتبرّع عربيا للقيام بهذه المهمة؟
وجاء الرد الأميركي على قمة القدس سريعا "لا بد من تحالف دولي في وجه إيران التي تدعم الإرهاب، وتهدد أمن المنطقة والعالم". وتقول أصوات أخرى إن "من يدعو إلى مقاطعة نائب الرئيس الأميركي عندما يزور الشرق الأوسط لا يريد الخير للفلسطينيين". والمؤكد أن من يستقبل نائب الرئيس الأميركي بعد أسابيع على قرار ترامب سيتحمل مسؤولية ارتدادات تعاونه مع الإدارة الأميركية، وسط هذه الظروف، حتى ولو كان الغطاء السياسي والإعلامي الذي يحتمي به بعضهم هو مقولة "إن المواجهة في المرحلة المقبلة ستكون مع الحلف التركي الإيراني الذي هو في طريقه إلى أن يكون واقعا معلنا. هذا هو تحدّي العرب الحقيقي اليوم".
كان التفويض كاملا للوفدين، الفلسطيني والأردني، في رسم معالم البيان الختامي لقمة إسطنبول الإسلامية بشأن القدس، وصياغة أفكاره وتحديد استراتيجية الرد، ورسم معالم خريطة الطريق السياسية والقانونية والإعلامية على ترامب وإدارته ومن يلتحق بهما. ولم يمض المشاركون في القمة الساعات في تبديل العبارات وحذف الكلمات التي تغضب ترامب أو نتنياهو، بل العكس
هو الذي حصل بخلاف بيانات ختامية سابقة للقمم العربية والإسلامية في التعامل مع الملف الفلسطيني.
وكان الرئيس التركي، أردوغان، قد قال أمام قمة سرت العربية في العام 2010 إن "قواسم مشتركة كثيرة تجمعنا وتوحدنا، وتحولنا لا إلى أصدقاء، بل إلى إخوة. التطاول على القدس ومحاولة إشعال النار هناك يعني تفجير المنطقة بأكملها. القضية الفلسطينية جوهر الصراع، وهي مفتاح السلام في الشرق الأوسط". إذن، هو ليس الموقف الأول لأردوغان، وهو لا يفعل ذلك بسبب حسابات انتخابية. ولا يمكن تبسيط المسألة على أساس أن ترامب اتخذ قراره للهرب من مشكلاته الداخلية. وهو قرار معد ومدروس منذ أشهر طويلة، فترامب أعطى وعدا للإسرائيليين بهذا الخصوص تحت غطاء "صفقة القرن".
.. رصد علماء الجيولوجيا أصواتا وتحركات غامضة وغريبة في باطن الأرض أخيرا، من دون أن يعثروا على أي تفسير لها، وهو ما دفع إلى التساؤل عمّا إذا كانت النهاية قد اقتربت.
4A6988D0-57AB-4CAB-9A76-07167D860E54
سمير صالحة

كاتب وباحث تركي، أستاذ جامعي في لقانون الدولي العام والعلاقات الدولية، دكتوراة في العلوم السياسية من جامعة باريس، له عدة مؤلفات.