في مستقبل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي

في مستقبل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي

21 ديسمبر 2017
+ الخط -
أثار قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إعلان القدس عاصمة لإسرائيل، ردود فعل عربية ودولية مألوفة في المواقف المماثِلة، أي التي يحصل فيها تجاوُز الشرعية الدولية كما تعكسها القرارات التي تحصل في دوائر الأمم المتحدة وأروقتها. وقد أعقب قرار ترامب المنحاز لإسرائيل مواقف الاستنكار والإدانة والشجب، من دول ومنظمات وجمعيات مدنية وسياسية عديدة في العالم، حيث توقفت بعض ردود الفعل عن القرار أمام ما أسمته تهوُّر رئيس الولايات المتحدة وحماقاته.
وإذا كان المهتم بقضايا الصراع العربي الإسرائيلي قد استأنس في نصف القرن الماضي بالاختراقات الإسرائيلية والغربية للشرعية الدولية في موضوع الصراع المذكور، كما استأنس بمنطق الشَّجْب والإدانة، وكل ما يندرج في إطار المواقف السياسية المبدئية والعامة، من قضيةٍ بدأت تحكمها قواعد التاريخ، الأمر الذي يستدعي كثيراً من الشجاعة في الإقرار بمآلاتها، كما تعبر عنها التوجهات السياسية التي تحكم أغلب الذين يرفعون اليوم شعاراتها من العرب والفلسطينيين، ومن القوى الدولية الحية، التي ما تزال تنظر إلى إسرائيل كيانا استعماريا.
تعمل إسرائيل منذ سنوات على تطويق القدس بالمستوطنات وقطع صِلاَتها مع المدن الفلسطينية، كما تفرض على ساكنتها في القدس الشرقية شروطاً خاصة في الإقامة والعيش، وما حصل من الولايات المتحدة الأميركية يُتَمِّم هذه الخطوات، ويندرج في إطار مزيد من ترسيخ المعالم الكبرى لشرق أوسطٍ جديد، وأن مختلف الخطوات الحاصلة من الطرفين تَتِمُّ في سياق عمليات الإسناد التي يُقَدِّمُها الراهن العربي لواقع الصراع العربي الإسرائيلي وتحوُّلاته، المعلن منها والمُبَطَّن، حيث جرى خلال العقدين الماضيين تدمير العراق وسورية، ويجري اليوم تدمير اليمن وانتشار الفوضى في ليبيا، من دون أن نغفل عمليات إِبْعَاد مصر عن مآلات الصراع القائم في الأرض المحتلة.
يمكن إضافة إلى كل ما سبق الأدوار التي تمارسها القِوَى الدولية والإقليمية في الخليج العربي، حيث يَتِمُّ التبشير بالصراع الطائفي بين السنة والشيعة، وبين دول الخليج مع بعضها تحت مسمَّيات عديدة، إلا أنها مرتبة في سياق الارتباك المتصل بمواجهة الإرهاب ومواجهة ممانعة النظام السوري، الأمر الذي ساهم ويساهم في عمليات تجاوُز المواثيق الدولية في موضوع
القضية الفلسطينية، لأجل مزيد من تعزيز حالة الجمود التي عرفتها القضية في السنوات الأخيرة. ومقابل ذلك، تواصل إسرائيل استكمال مُخَطَّطَاتِها في الاستيطان، وفي توسيع دوائر التطبيع مع أنظمة عربية كثيرة.
لم تعد القضية الفلسطينية منذ سنوات في جدول أعمال الأنظمة العربية ومنظماتها الإقليمية، من قَبِيل جامعة الدول العربية ومؤسسات التعاون العربي. كما أن الفلسطينيين وهم الذين يحملون رايات وطنهم، ويُعانون من ويلات الهيمنة الإسرائيلية، ومختلف تبعاتها المتمثلة في تقطيع جغرافية أرضهم، والنصب على تاريخهم القديم وتاريخ نضالهم، حيث يُمارس الاحتلال الاستيطاني جميع صُور العنف في حياتهم، وقد تَمَّ له ذلك، بموازاة مع ما يُطْلَقُ عليه مفاوضات التسوية والسلام، وهي مفاوضات لا تبدأ إلا لتنتهي، من دون أي تَقَدُّم يُذْكَر في موضوع نتائجها وآفاقها، تُخْفِي في العمق مشاريع وخيارات أميركية إسرائيلية، ما يدعو إلى القول إن القضية الفلسطينية لم تعد لا أولوية عربية، حيث يتم التلويح بين حين وآخر، بحل الدولتين، لكن كيف يمكن الانخراط في سياق التفكير في ما ذكرنا، في زمن بلغ فيه الانقسام الفلسطيني على المصالح الآنية والمستعجلة درجةً لم يبلغها من قبل؟
يحق التساؤل: ماذا بعد الإدانة والشَّجْب والمظاهرات التي حصلت وتحصل هنا وهناك؟ ماذا عن الانقسام الفلسطيني؟ ماذا عن التَّصَدُّعَات التي تعرفها الأنظمة العربية؟ ماذا عن الخراب الذي لَحِقَ بسورية والعراق واليمن وليبيا؟ ماذا عن جمود العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين؟ ماذا عن الأنظمة العربية العاجزة والمتورّطة في كل ما لحق بالقضية الفلسطينية من تراجع؟ وماذا عن النخب السياسية العاجزة عن تخطي الشعارات العامة والمبدئية؟
هل نُكَرِّر ما قيل في الماضي، وندرج معركة القدس في سياق المعارك الدينية؟ لا أعتقد أن تجزئة المسألة يمكن أن تكون مفيدة، فموضوع نقل السفارة الأميركية إلى القدس يُعَدُّ مجرد علامة تشير إلى الموضوع الأساسي، يتعلق الأمر باحتلال إسرائيل فلسطين، والقدس وإن كانت تملك رمزية تاريخية ودينية وسياسية، فهي حاضرة مماثلة لأخواتها في الجغرافيا الفلسطينية، صحيحٌ أنها زهرة المدائن، إلا أنها محتلة ومستعمرة.
التهوُّر الذي كشف عنه ترامب، من جهةٍ، مناسبة لوضع برنامج مستعجل، في موضوع الوفاق الجاري بين الفصائل الفلسطينية، برنامج يضع مُجَدَّداً واقع الحال في مسألة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي موضع نظر جديد. ومن جهة ثانية، يمكن للطرف العربي أن يفكر بصورة جديدة في مستقبل فلسطين ومستقبل الصراع العربي الإسرائيلي.
C0DB4251-3777-48D1-B7F6-C33C00C7DAEB
كمال عبد اللطيف

محاضر في جامعات ومؤسسات بحث في المغرب وخارجه، عضو في لجان جوائز ثقافية في مراكز بحث وجامعات عربية. يساهم في الكتابة والتدريس الجامعي منذ السبعينيات، من مؤلفاته "درس العروي، في الدفاع عن الحداثة والتاريخ" و"الثورات العربية، تحديات جديدة ومعارك مرتقبة".