جامعة الهزائم العربية

جامعة الهزائم العربية

19 ديسمبر 2017

(فرانس برس)

+ الخط -
لا حاجة لنا أن "نعرّف عدونا"، بعد أن حبانا الله بمسؤولين قادرين على استخلاص "الإبرة" من كومة القش، وهو عين ما نجحت فيه "كومة" وزراء خارجيتنا في اجتماع لجامعة الدول العربية، حين استخلصت "الإبرة الإيرانية" و"إبرة حزب الله" من كومة القش، لتعلن الأولى "عدوًّا"، والثاني "إرهابيًّا"، وما على الشعوب العربية غير أن تسند ظهرها إلى إسرائيل، وتستعد لمواجهة "الإبرتين" اللتين أصبحتا تهدّدان الوجود العربي برمته.
ولا يحق للتلاميذ الخاضعين لمحاضرات السأم الطويلة، أن يتساءل أحدهم ماذا حلّ بـ"لاءات الخرطوم: لا صلح، لا استسلام، لا مفاوضات مع إسرائيل"، التي أتخمونا بها في الستينيات، لأن أساتذتنا المبجّلين لن يحيروا جوابًا، وعلى الأرجح سيتنطح أحدهم ليجيب بأن "لاءات الرياض" لم تحد كثيرًا عن الهدف، بل تغير "الخصم" فقط، ولا بأس من أن تصبح المقولة "لا لإيران وحزب الله".
وعلى الأرجح، لن يجرؤ تلميذ مثلي ما تزال تدوّي في أذنه صواريخ حزب الله التي هزّت أركان إسرائيل قبل أعوام، يوم وقف هذا الحزب وحده على خط المواجهة مع أعتى ترسانة أسلحة وصلافة، ومرّغ أنفها في تراب الجنوب اللبناني المقدّس، لن يجرؤ على السؤال عن المسوّغات التي تجعل "أساتذة الجامعة" يحولون هذه الإشراقة اليتيمة في الظلام العربي الدامس، إلى "حزب إرهابي"، متساوقين في ذلك مع المعتقدات الصهيونية والإمبريالية ذاتها، وكأن الاتهامات لا تصدر عن جامعة الدول العربية، بل عن "الكنيست" و"البيت الأسود". ولئن تجرأ التلميذ وسأل، سيقال له بعد بتر لسانه إن حزب الله يخدم الأجندة الإيرانية الطامحة إلى الهيمنة على المنطقة، وعندها لن يكون في وسع التلميذ أن يجيب بأن تلك الأجندة هي من اختراع سادتكم في أميركا وإسرائيل، لتبقى مبرّرات "العدو المفترض" قائمة، بما يترتب على ذلك من إبقاء المنطقة خاضعة لقواعد التدخلات الأجنبية ومسوّغاتها، بما في ذلك القرارات السيادية المتصلة بالمصائر والاستراتيجيات.
صحيح أن التلميذ يتحفظ على توريط حزب الله نفسه في الشأن السوري، ودعمه النظام الاستبدادي الأسدي في مواجهة الآمال الشعبية هناك في الخلاص والحرية، غير أن "أساتذة الجامعة" أنفسهم في الرياض وأبوظبي يتحملون قسطًا وافرًا من حرف ثورة الربيع السورية عن مسارها، باستقطاب إرهابيي العالم كله، من "داعش" وغيرها، ومزجهم بالثوار، لأنهم أرادوا، فعليًّا، تشويه صورة الربيع العربي كله، من خلال تشويه الثورة السورية بمثل هؤلاء الوحوش الذين روّعوا الشعب السوري، وقبله الشعب العراقي، بمذابحهم وجرائمهم وعدميتهم.
ويتحفظ التلميذ نفسه، على الطموح الإيراني بمحاولة تصدير ثورته إلى الخارج، وجعلها أنموذجًا ينبغي أن يُحتذى به، غير أن عداء الساسة العرب لطهران ومؤامراتهم ضدها لم يبدأ أخيرا، بل يمتد بعيدًا منذ اللحظة الأولى لانتصار ثورتها، وزوال طاغيتها "الشاه بهلوي" الذي كان عشيقهم المحظيّ، فحبسوا أنفاسهم، خشية أن تنتقل عدواها إلى شعوبهم، فتنقلب الكراسي فوق نوافيخهم، وكان أول ما فعلوه، هم وأسيادهم في تل أبيب وواشنطن، أن أقنعوا "البطل" صدّام حسين بضرورة مواجهة الخطر الإيراني الزاحف، وورّطوه في حربٍ عدمية، حصدت أكثر من مليون ضحية من الطرفين في ثماني سنوات، وضاهت بخسائرها الأخرى حصاد الحرب العالمية الأولى. ومن ثمّ لا يحق لهؤلاء "الأساتذة" أن يلوموا دولةً دافعت عن نفسها، وسخرت ثرواتها في خدمة شعبها، وفي تعزيز صناعاتها العسكرية والفضائية، لا في تبديدها وحشوها في أرصدتهم المتخمة، كما يفعلون هم. والأهم أنها دولةٌ تعلن عداءها الواضح لإسرائيل، وهذا ما يجعلها الأقرب إلى وجدان "التلاميذ" العرب، وهو عينه ما يجعلها العدو رقم واحد لأساتذة جامعة الدول العربية.
ما يزال على ألسنتنا المبتورة الكثير مما يقال عن "جامعة الهزائم العربية" المفتوحة على الخسارات، والتي يبدو أننا لن نتخرّج فيها، حتى نتقن كل أبجديات المراوغة وقلب الحقائق والموازين، لنحصل، في النهاية، على شهادة "الهزيمة الكبرى" بمرتبة "القرف" الأولى.
EA8A09C8-5AE7-4E62-849E-5EBF1732C5FF
باسل طلوزي

كاتب وصحافي فلسطيني. يقول: أكتب في "العربي الجديد" مقالاً ساخراً في زاوية (أبيض وأسود). أحاول فيه تسليط الضوء على العلاقة المأزومة بين السلطة العربية الاستبدادية عموما والشعب، من خلال شخصيتين رئيسيتين، هما (الزعيم) والمواطن البسيط (فرج). وفي كل مقال، ثمة ومضة من تفاصيل هذه العلاقة، ومحاولة الخروج بعبرة.