القمة الأفريقية الأوروبية.. لا جديد ولا قديم

القمة الأفريقية الأوروبية.. لا جديد ولا قديم

02 ديسمبر 2017

قمة أفريقية أوروبية في بروكسل (1/4/2014/فرانس برس)

+ الخط -
تُعقد القمة الأفريقية - الأوروبية الخامسة في أبيدجان (بعد قمم القاهرة 2000، لشبونة 2007، سرت 2010، بروكسل 2014) في وقت تتعدّد فيه التهديدات الأمنية المتنامية، لاسيما الإرهابية، وتزداد فيه التحديات الاقتصادية، وكذلك تدفقات المهاجرين السريين الأفارقة نحو أوروبا، وفي ظرف طارئ يتمثل في ظاهرة الاتجار بالبشر والعبودية التي أصبحت ليبيا أحد أسواقها المعاصرة، ما أثار موجة استياءٍ وشجبٍ عبر العالم. وعبودية القرن الواحد والعشرين هذه صناعة أفريقية: ضحايا الاسترقاق والجلادون والمستفيدون كلهم أفارقة وسوق العبيد في بلد أفريقي. باستثناء هذا الظرف الطارئ، فإن بقية الظروف هي نفسها منذ سنوات، بل وتفاقمت، مع مرور الوقت وتتالي القمم الأفريقية - الأوروبية التي لم تغير شيئاً. لذا، لا جديد يذكر ولا قديم يشكر، فالخلل البنيوي في تركيبة القمم هو نفسه، والتزام أوروبا بتنمية أفريقيا واستقرارها هو نفسه، ومعضلات الأوروبيين هي أيضاً ذاتها.
كثيراً ما يقود الاستخدام المجازي بعض المفردات والعبارات إلى إفراغها من محتواها، وبالتالي إلى تحليل مشوّه للواقع. ومن الأمثلة على ذلك عبارة القمة الأفريقية- الأوروبية. من منظورٍ مؤسساتي بحت. العبارة صحيحة، لأنها تخص علاقةً بين الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي. لكن إذا أردنا أن ندقق في الأمر نجد فرقاً شاسعاً بين الاتحادين، فالأول متخلف من حيث البنيان، وتتجاذبه انقسامات كبيرة حول الخيارات الإستراتيجية، بل لأغلبية أعضائه تفضيلات إستراتيجية خارجية، لها الغلبة على العلاقة الأفريقية البينية، بينما الثاني متقدّم وعلى درجة عالية من الاندماج، على الرغم من خلافاتٍ سياسيةٍ بينيةٍ، لكنها لا تخص الخيارات الإستراتيجية العليا.
لذا من غير الصحيح أن نتحدّث مثلاً عن "28 +55"، لأن الطرف الأول (الدول الأعضاء 
في الاتحاد الأوروبي) في المعادلة يشكل كتلةً مندمجةً اقتصادية، ومصالحها على درجة عالية من التداخل والاعتماد المتبادل، بينما الطرف الثاني (دول الاتحاد الأفريقي) في المعادلة منقسم على نفسه، وعلى درجة عالية من التخلف الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. وعليه، من الأصح أن نصوغ المعادلة على النحو التالي: 28+1+1+1... فالدول الأفريقية تحضر هذه القمم، وهي متفرّقة ساعية إلى الاستفادة منها لدعم مسارات ثنائية مع الدول الأوروبية، خدمة لمصلحتها القومية على حساب الجار الأقرب. فهذه الدول تشارك في هذه القمم (مثل التي تعقدها مع الصين) متفرّقة ومتنافسة فيما بينها، ما جعل القارة الأفريقية الطرف الأضعف في المعادلة، ومسرحاً لتنافس الكبار.. ومن ثم، ففي استخدام الأفريقي هنا بصيغة المفرد تجاوزٌ على الواقع السياسي. وعلى الرغم من تبينه سياسة القمم مع الأفارقة، لا يزال الاتحاد الأوروبي يقسم أفريقيا إلى أجزاء، منفصل بعضها عن بعض، فمعظم دولها تربطها علاقات مع الاتحاد الأوروبي، في إطار اتفاق كوتونو للشراكة، وعدد معدود منها (الدول العربية المتوسطية) تندرج علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي ضمن الشراكة الأورو- متوسطية وسياسة الجوار الأوروبية، وعدد أقل منها لا تربطه علاقات مؤسساتية مع الاتحاد الأوروبي.
على الرغم من الانتقادات الموجهة لأوروبا، دولاً واتحاداً، والقصور الذي يعتري سياساتها، فإنها تبقى الأكثر مساهمةً في دعم تنمية أفريقيا واستقرارها. فقد بلغت المساعدات المالية الأوروبية للدول الأفريقية 21 مليار يورو في 2016، متصدّرة بذلك الدول المانحة. أما في مجال الاستثمارات، فقد استثمرت الشركات الأوروبية 32 مليار يورو في أفريقيا في 2015، أي ما يعادل ثلثي الاستثمارات الخارجية المباشرة في القارة الأفريقية. للإشارة، بلغت الاستثمارات الصينية في أفريقيا 36 مليار دولار في 2016. كما خصص الصندوق الأوروبي للتنمية المستدامة 3.35 مليارات يورو للاستثمار في أفريقيا، فضلاً عن تخصيص الاتحاد الأوروبي 1.4 مليار يورو لبرامج تربوية في القارة للفترة 2014-2020. هذا فضلاً عن مساهمة أوروبا في دعم الأمن والاستقرار في القارة.
أما معضلة أوروبا، دولاً واتحاداً، في علاقاتها مع أفريقيا، فتأتي من أن الأخيرة تمثل تهديداً وفرصة في الوقت نفسه، فهي تهديد من حيث التدفقات الهجراتية المتواصلة نحو الأراضي الأوروبية، خصوصا أن 60% من سكان القارة لا تتجاوز أعمارهم 25 عاما، ما يعني أن مخاطر الهجرة مرتفعة جداً، وهي تهديد أيضاً لأن بعض أجزائها يتخبّط في اضطرابات سياسية وأمنية تمس بالمصالح الأوروبية. لذا تبحث أوروبا عن سبل تقيها هذه المخاطر والتهديدات 
القادمة من أفريقيا، لاسيما في مجالي الهجرة والإرهاب. لكن أفريقيا تمثل أيضاً فرصة اقتصادية لأوروبا. فهي قارة غنية بالموارد الطبيعية، وسوق واعدة من حيث التطوير والبنية التحتية والاستهلاك. فضلاً عن هذه المعضلة، تواجه أوروبا منافسةً صينية شرسة في أفريقيا التي تحولت، في السنوات الأخيرة، إلى "ساحة خلفية" للنفوذ الاقتصادي والسياسي الصيني، على حساب النفوذ التقليدي الأوروبي. وبسبب هذه المنافسة الصينية المتنامية، تريد بعض دول الاتحاد الأوروبي، ومنها فرنسا، التخلي عن المستلزم الأخلاقي، والاهتمام بالمستلزم المصلحي، وإلا ستلقي أوروبا بكل الأنظمة الأفريقية في أحضان الصين التي لا تهتم إطلاقاً، بحكم طبيعة نظامها، بالاعتبارات الديمقراطية. لكن للسياسة والجغرافيا أحكاما. فسبب الهجرة الأفريقية نحو أوروبا ظروف المعيشة الصعبة من جهة والتسلطية وغياب العدالة من جهة ثانية. ومن ثم لا يمكن لأوروبا أن تسير على خطى الصين، لأن الجغرافيا تفرض عليها بعض الإكراهات.
هكذا تتوالى القمم، لكن التغيير مؤجل. بل أصبحت مناسبة للحكام الأفارقة لإيهام أنفسهم بأنهم يتحدثون مع القادة الأوروبيين الند للند ومناسبة لتحميل أوروبا، بسبب الحقبة الاستعمارية، تبعات الأمور في القارة، لتبرئة أنفسهم مما آلت إليه الأمور في بلدانهم، فالقارة الأفريقية حطمت أرقاماً قياسية في غايةٍ من التعاسة: أعلى معدلات الانقلابات السياسية والتغييرات الدستورية للبقاء في الحكم (مدى الحياة إن أمكن) وأعلى معدلات المجازر الجماعية والفساد.. وهي أيضاً القارّة التي تحول فيها رموز التحرّر من الاستعمار إلى متسلطين، بل ودكتاتوريين، والمثال الأحدث في هذا المجال هو روبرت موغابي الذي قُذف به خارج السلطة من الباب الضيق بعد 37 سنة من الحكم والتسلط! إذا كانت القارّة حصلت على الاستقلال عن القوى الاستعمارية الأوروبية ومنذ مدة، فإن نمطاً محلياً من الاستعباد حل محله، والمسؤولية محلية (أفريقية) بالأساس.