وثائق بن لادن

وثائق بن لادن

10 نوفمبر 2017
+ الخط -
كشفت وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه)، قبل أسبوع، عن حوالى نصف مليون وثيقة، قيل إنها وجدت على الحاسوب الشخصي لزعيم تنظيم القاعدة السابق، أسامة بن لادن، وذلك بعد أن تم الاستيلاء عليه، عند قتل صاحبه في باكستان عام 2011.
تمثل الوثائق كنزاً من المعلومات التي لم يكشف عنها من قبل، ليس فقط في ما يخص الحياة الشخصية لبن لادن، وهي مثيرة ومليئة بالتناقضات، كما تصورها الوثائق، وإنما أيضا لطريقة تفكيره وخططه ورؤيته لما يجري في العالم. وثائق كثيرة في شكل يوميات، كتبها بن لادن تعليقاً على الأحداث الإقليمية العالمية. كما تحوي فيديوهات شخصية لعائلته، منها حفل زفاف نجله حمزة. ولا تزال مئات الآلاف من الوثائق لم يتم الإفراج عنها، بحسب مسؤولين أميركيين. وذكرت تقارير إخبارية عديدة أن الملفات التي لا تزال قيد البحث تحتوي على فهرس للمقاطع المصورة التي احتفظ بها بن لادن على جهازه، ومنها مقاطع إباحية، وأفلام هوليوودية، وأفلام وثائقية عن شخصه.
من بين ما تم تسريبه من الوثائق ما يتعلق بنظرة بن لادن لأحداث الربيع العربي التي انطلقت شهوراً قليلة قبل مقتله، ورآها بن لادن فرصة عظيمة، ينبغي على التيارات والحركات الجهادية استغلالها من أجل تنفيذ أجندتها وأفكارها. ولعل هذا ما يتناقض مع ما نشرته الاستخبارات الأميركية قبل حوالى ثلاثة أعوام من وثائق لبن لادن، كان يرى فيها أن "الربيع العربي" أسقط الجهاد، ولم يعد هناك حاجة إلى الجهاد. وحسب الباحث، مراد بطل الشيشاني، فإن بن لادن وصف الثورات العربية، في إحدى الوثائق التي تم الكشف عنها، بأنها "حدث عظيم"، ورأى أنها "ثورة الأمة ضد الطغاة"، وأن "الأمة لم تشهد تحركاً بهذا الحجم منذ قرون". وعلى ذلك، ألا يدخل الجهاديون في مواجهات مع الإسلاميين الذين يتوقع بن لادن أن يسيطروا على المشهد السياسي عربياً.
لا يمكن أخذ قرار نشر وثائق بن لادن من دون النظر في دلالاته السياسية، والرسائل التي يحملها، من جهتي المضمون والتوقيت. مثالاً على ذلك ما يتعلق بالعلاقة بين إيران وتنظيم القاعدة، حيث تفيد الوثائق بأن ثمّة علاقة وثيقة بين الطرفين، تمثلت في التسهيلات التي كانت تقدمها إيران لملتحقين كثيرين بالتنظيم، سواء الذين كانوا يمرون بأراضيها بين أفغانستان والشرق الأوسط أو من آوتهم ووفرت لهم ملجأ من الملاحقات الأمنية في بلدانهم. ويذكر أحد التقارير التي تم الكشف عنها أن إيران قدمت دعماً لسعوديين من أجل القيام بعمليات ضد السعودية ومصالح أميركا في المنطقة. وعلى مدار سنوات عديدة، كانت هناك شكوك كثيرة بشأن علاقة طهران بتنظيم القاعدة، وكثيراً ما اتهمتها دول الخليج، وخصوصاً السعودية، بذلك، وهو ما أكدته الوثائق التي تم نشرها أخيراً.
قد يرى بعضهم أن الكشف عن علاقة إيران بزعماء تنظيم القاعدة الآن لا يبتعد كثيراً عن التوجه الجديد للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، والذي يقوم على المواجهة والتصعيد. وهو أمر أشار إليه محللون أميركيون وغربيون كثر، ما قد يمهد الأجواء لمزيد من الإجراءات العقابية ضد طهران، وربما يؤثر على الموقف الأوروبي منها، خصوصا في ما يتعلق بالاتفاق النووي معها.
وإذا كانت وثائق بن لادن التي تم الكشف عنها تمثل كنزاً معرفياً، فإن ثمّة أسئلة كثيرة بشأن الملفات والوثائق التي لم يتم الكشف عنها بعد، وعن عملية انتقاء الملفات التي يتم الإفراج عنها ونشرها، والغرض من ذلك.
A6B2AD19-AA7A-4CE0-B76F-82674F4DCDE4
خليل العناني

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية. عمل كبير باحثين في معهد الشرق الأوسط، وباحثاً في جامعة دورهام البريطانية، وباحثاً زائراً في معهد بروكينجز.من كتبه "الإخوان المسلمون في مصر ..شيخوخة تصارع الزمن".