مشكلة "نفسية" مع وعد بلفور

مشكلة "نفسية" مع وعد بلفور

08 نوفمبر 2017
+ الخط -
كان لا بد قبل كتابة مقال عن وعد بلفور أن أرصد ما في الصحافة العبرية، ومراكز الدراسات الإسرائيلية. وأكاد أجزم أن هدف هذه الكتابات إظهار وضع الفلسطيني مريضا، أو لديه مشكلة نفسية أو سيكولوجية، تتمثل في عدم قدرته من الانتقال من واقع "الإنكار" إلى "القبول والاستسلام".
مرت مائة عام على وعد بلفور، والفلسطينيون في وضعية حالة "الإنكار" لهذا الوعد الذي أعطى لليهود حقا مزعوما عام 1917 وبريطانيا لم تكن قد احتلت واستولت على الأقل على كامل التراب الفلسطيني. وإذا نظرنا إلى المراحل التي تعتري الإنسان في حالة الحزن، فهي خمس أو سبع مراحل سيكولوجية، تبدأ في مراحلها الأولى من حالة الصدمة والإنكار، إلى الألم والغضب، الاكتئاب والوحدة، الانعطاف، إعادة البناء والعمل، والمرحلة الأخيرة القبول والأمل.
كان على الفلسطينيين، كما يقول أليكس جوفي من مركز بيغن السادات، في مقاله "الفلسطينييون ووعد بلفور المئوي، مقاومة الماضي"، أن يتوقفوا عن "اللعب" على وتر الشرف والرمزية والذنب، التي تشكل ثقافة "الإنكار" لوعد بلفور، والتي بدورها تعرقل التقدم نحو إقامة دولة فلسطينية مستقرة مع إسرائيل.
وفيما يدعو أفرايم كارش من المركز نفسه إلى التوقف عن رفض "الآخر"، لأنّ وعد بلفور اعترف به المجتمع الدولي، والسلطة الإسلامية الأولى في العالم (وليس من المعلوم من يقصد هنا) ومعظم العرب والفلسطينيين، فإن رأيا آخر يقول إن على الرئيس محمود عباس أن يتخلص من الأوهام.
هذا وإن كان بعض الفلسطينيين والأنظمة العربية قد وصلت إلى بعض المراحل السيكولوجية، أو تخطتها إلى المرحلة الأخيرة من القبول، إلا أنه من الواضح للعيان أن الشعب الفلسطيني لم ولن يصل إلى تلك المرحلة، بدليل حالة "الإنكار" المستمرة منذ 100 عام.
هذا وإن كنا نتحدث سيكولوجيا، إلا أن السياسة ليست بعيدة عن هذا العلم، ولكي نفسر هذه المقولات، لا بد من الرجوع إلى ثلاثة عناوين لكتب تناولت السياسة من جانب نفسي، وهي علم النفس السياسي، والخيال السياسي، ولماذا يكذب القادة.
واضح جدا أن مائة عام لم تستطع أن تطوع الفلسطيني للوصول إلى الاستسلام والقبول بوعد بلفور، وما زالت تداعيات مقاومة هذا الوعد مستمرة، وهذا يدل على فشل هذا "الواقع" المسمّى إسرائيل، على الأقل في انتزاع اعتراف فلسطيني، واحتفالية نتنياهو بهذا الوعد كاذبة، وهي في إطار كذب القادة، للتغطية على فشل سياسة تطويع الفلسطيني.
أما الضغوط التي يمارسها القادة الإسرائيليون، على مختلف توجهاتهم، والتي لم تترك وسيلة سياسية أو عسكرية إلا استعملتها بحق الفلسطيني لتطويعه، وعلى الرغم من اتخاذ كل منهم وسيلة مختلفة، فإنهم يصنفون في إطار نظر علم النفس السياسي، "غطرسة عنصرية أثرت في شخصيات القيادة عبر قراراتهم"، وهي شخصية إقصائية تتمثل باتخاذ إجراءات عنصرية وتمييزية في نظر حقوق الإنسان، وهذا فشل آخر.
وبالنظر إلى الذين ينادون الفلسطيني إلى التعقل والاعتراف بوعد بلفور لتحقيق حلم الدولة الفلسطينية، فهذا وهم سياسي، لن ننخدع به، لأنّ سياسة الاستيطان لم تترك لنا أرضا لنبني عليها دويلة، وهذا أصبح مكشوفا للجميع.
الوهم وعلم النفس والكذب السياسي، مفاهيم سيكولوجية، تتأثر بها قرارت القادة والمسؤولين وصناع القرار، وهي مفاهيم يحاول الإسرائيلي في المرحلة الأخيرة أن يوجهنا من خلالها ليقنعنا بضرورة الاعتراف بهذه "الورقة" ونعني وعد بلفور، فهل القضية تتعلق بمناكفة على ورقة تعود لمائة عام؟
يكتب مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية، يوفال روتم، في مقاله في صحيفة معاريف، إن الدبلوماسيين الإسرائيليين يوضحون للحكومات الأجنبية ولوسائل الإعلام في العالم، أنّ رفض الفلسطينيين وعد بلفور يعكس "الرفض" العنيد للاعتراف بدولة إسرائيل، باعتبارها الدولة القومية للشعب اليهودي. هذا ما سوف نصل إليه إن توقفنا عن حالة المرض السيكولوجي المصنف إسرائيليا "الإنكار".
F4F14766-7D2F-4617-9AFB-878AF02EAFEE
F4F14766-7D2F-4617-9AFB-878AF02EAFEE
أحمد الصباهي (فلسطين)
أحمد الصباهي (فلسطين)