حين تحكي الفرنكوفونية العربية

حين تحكي الفرنكوفونية العربية

07 نوفمبر 2017

دومينيك إده.. روائية وباحثة لبنانية فرنسية

+ الخط -
ربما كانت الكاتبة اللبنانية – الفرنسية، دومينيك إدّه، المقيمة بين باريس وجزيرة تركية، والتي تزور بيروت حاليا، للمشاركة في معرض الكتاب الفرنكوفوني المنعقد ما بين 3 و12 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، بمناسبة صدور كتابها "إدوارد سعيد، رواية أفكاره"، الشهر الفائت عن دار فابريك الفرنسية، هي أفضل تعبير عمّا ينبغي لهذا التقليد الثقافي العريق والمنتظر كل عام، أن يسعى إليه، ألا وهو جعل الفرنكوفونية ناطقةً أيضا بلغات البلدان التي تحضر فيها، وبهمومها وثقافاتها، وهو ما بات يتضح أكثر فأكثر، ومن عام إلى عام، في برمجة اللقاءات والحضور والكتّاب المشاركين في المعرض.
ولمن لا يعرفها، تمثّل الروائية والباحثة دومينيك إدّه، بالتزامها بقضايا المنطقة ودفاعها عنها، وبأصالة انتمائها، نموذجا نادرا للمثقف والأديب الذي يشتهر في لغة أخرى غير لغته الأم، من دون أن يستدرجه ذلك إلى التنكّر لأصوله، أو إلى الوقوع في فخ التناسي، مسايرةً للطرف الأقوى من خلال الكلام بما يرضيه ويسرّه، وإن كان على حساب تهشيم الذات، وكلّ ما صنعها ماضيا. والحال إنها حالُ عدد كبير من الكتّاب ذوي الأصول العربية الذين اشتهروا في غير بلدانهم، وقطعوا حبال السُرّة، غير آسفين على واقع بلدانٍ لا يُشعرهم الانتماءُ إليها بأكثر من الخوف أو الذلّ والعار والكراهية، من دون أن يعني ذلك، وبشكل آليّ أو تلقائي، أن كل من كتب بلغة أخرى غير لغته الأم خائن لجماعته، لبلده أو قضاياه.
عملت إدّه التي درست التاريخ، معلّمة، ثم ناشرة ومترجمة، وباحثة، وهي تكتب في الصحافة الفرنسية (لوموند، لونوفل أوبسرفاتور) لتقول، في كل مرة، شيئا يصحّح النظرة إلى قضايا المنطقة، يشرح ويناقش ويصوّب ويستنهض ويستنكر ويشجب، إلخ. فقد كانت من أكثر المدافعين عن القضية الفلسطينية، وقضايا المرأة العربية، وأخيرا عن عذابات الشعب السوري ومعاناته. في أعمالها الروائية الأولى، "رسالة بعد الوفاة" (1989) و"لمَ كل هذه العتمة؟" (1999)، تحتل بيروت الحرب المقدمة، ويتشكّل حولها فعلُ القصّ. أما في رواية "كمال جنّ" فإن القارئ يسافر ما بين نيويورك وبيروت، مرورا بدمشق (2010) التي تشكّل العصب الرئيسي لروايةٍ بوليسيةٍ متعددة الأصوات، مع المرور بعاصمتي التعذيب والمجازر، حماة وتدمر، حيث مارس النظام عبقريته السادية في خطف أرواح معارضيه ومواطنيه.
"لم أرد إخبار قصة، أردتُ وصف عالم: أن أكون أقرب ما يكون إلى ذلك النتن وذلك النظام السياسي المبني على القمع، والذي يضع الشعب السوري تحت جزمته منذ أربعين عاما"، هذا ما صرّحت به الروائية قبل تسليم مخطوطة الرواية في أكتوبر/ تشرين الأول 2010، أي قبل شهرين من الانتفاضة التي بدأت في تونس. أما عن عملها الجديد، "إدوارد سعيد"، فتقول: "تعرّفت إلى إدوارد في العام 1978. علاقتنا - المعيشة في زمنين – ليست موضوع هذا الكتاب، لكني لن أغفلها في المقابل. سوف أستخدم مراسلاتنا وذكرياتي التي تنير، بشكل أو بآخر، أعماله وحياته. (...). لا أتمنى أن أخوننا من خلال الكشف عمّا لا يخصّ سوانا، ولا أن أقمع نفسي من خلال ممارسة رقابة أكثر مما يلزم على السعادة والعذاب، الأقصيين على السواء، اللذين منحني لقاؤنا إياهما".
هذا وتُجري إدّة مطالعة جديدة ومجدِّدة لأعمال سعيد ومؤلفاته، فتقيم مقارباتٍ وتقاطعاتٍ ومقارناتٍ بين ما أعجبه وانتقده، ملقية الضوء على تناقضاتٍ سيّرت حياته وعمله، كمؤلّفه الضخم والأساسي عن "الاستشراق" والأجواء "الاستشراقية" التي عاش فيها طفولته. هكذا تحضر أعمال أدباء وموسيقيين كبار من أمثال كونراد، أدورنو، فانون، فوكو، دريدا، أورويل، محفوظ وكامو، أو باخ وموزارت وبيتهوفن وستروس، لتعقد دومينيك إدّه، بين مخيلاتهم ومخيّلة سعيد، صلات وثيقة، صراعية أو لا، محوّلةً بذلك إياهم إلى شخصيات روايةٍ تُكتب عن مغامرةٍ ثقافيةٍ حيث تتقدّم الفكرةُ المجازَ، وحيث، مع اقتراب الموت، يفوز مفهوم "عدم التوافق" على السياسة، من دون أن يهدد ذلك صحّة المعارك التي خاضها المثقف الفلسطيني الأميركي طوال حياته.
نجوى بركات
نجوى بركات
كاتبة وروائية لبنانية ومؤسسة محترف "كيف تكتب رواية"