الإرهابي الجنتلمان

الإرهابي الجنتلمان

06 نوفمبر 2017

سيف الله سايبوف.. شخص أكثر من عادي (فرانس برس)

+ الخط -
بدا سيف الله سايبوف شخصاً عادياً، وهو يستأجر شاحنة صغيرة. كان أكثر من عادي، وهو يخترق بها ممشى للمارّة والدراجات في مانهاتن. ثم أمعن في "عاديته" بالهدوء الذي استقبل به عملية احتجازه والتحقيق معه، والأريحية التي تحدّث بها مع المحققين. فلم يكن حريصاً على إخفاء أي معلومات، أو استخدام حقه القانوني في الامتناع عن إدانة نفسه. ولم يكتف سايبوف بالإقرار بفعلته، بل أكّد فخره بها.
إنه نموذج جديد من الإرهابيين ومرتكبي العنف المجتمعي. في السابق، أسمتهم بعض الدراسات "ذئابا منفردة"، وهم هكذا بحق، غير أن هذا التوصيف ينصب على الطبيعة التنظيمية وسمة الانفرادية في التخطيط والتحرك، لكنه لا يرصد السمات الشخصية، أو يفسر تلك السلوكيات التي تخالف الصورة الذهنية السائدة عن الإرهابي التقليدي، ذي الوجه العابس، وشعر أشعث، وصوت أجش، ولحية كثة، ولسان سليط، وأسلوب فظ. وذلك بعد أن صار الإرهابيون أشخاصا عاديين، لا يختلفون عن بقية البشر، بل إن كثيرين منهم يعيشون حياة شديدة الليبرالية والتحرّر ثقافياً وسلوكياً. حيث يعكس الخطاب قيم التسامح والتنوع وتثمين الحريات الفردية، بينما يُترجَم السلوك في أدب جم وتعامل متحضر مع الآخرين الأغيار، بمن فيهم النساء.
وعندما يكون المرء بهذا القدر من العادية والاعتدال، سواء في السلوك، أو في منظومته القيمية الظاهرة على الأقل، فإن ارتكاب جريمة عنفٍ مجتمعيّ، سواء بالدهس أو الطعن أو إطلاق الرصاص ضد مدنيين أبرياء، أياً كان عددهم، يُعد نموذجاً صارخاً لاجتماع المتناقضات وصراع الأضداد. ليس بين أشخاصٍ أو جماعات، وإنما داخل الشخصية الواحدة، وهو أمر جدير بالتأمل والدراسة.
في العامين الماضيين، ركّزت الدراسات والتحليلات التي تناولت ظاهرة "الإرهابيين الجدد" على خلفياتهم الجغرافية وجنسياتهم، إضافة إلى المستوى التعليمي ومدى الالتزام الديني لديهم. وهي جوانبُ لها أهميتها في تشكيل اتجاهاتهم الفكرية، ومن ثم ممارساتهم العنفية. سواء الذين تحرّكوا منفردين، أو الذين التحقوا بتنظيماتٍ عنفية، كما حال الدواعش.
مثلا، لم يعد الجهل أو الأمية التعليمية سبباً في اعتناق الفكر المتطرّف، أو الانقلاب فجأة على المجتمع المحيط، سواء في الدولة الأم أو في مهجر. حيث صارت أغلبية الإرهابيين من المتعلمين، فمن بين أربعة آلاف ممن اقتنعوا بالفكر الداعشي أو التحقوا بتنظيم الدولة الإسلامية خلال عامي 2013 و 2014، يحمل أكثر من 43 % منهم شهادة الثانوية، بينما 25 % جامعيون، و13.5 % فقط توقفوا عند التعليم الأساسي، والأميون أقل من 1.5%.
ولما كان العدد الأكبر من هؤلاء ينتمي إلى دول أوروبية، خصوصاً فرنسا وبريطانيا وألمانيا، إضافة إلى أستراليا، فإن الأمر لا يتعلق، إذن، بثقافة حاضنة للتطرّف أو بيئة مواتية للإرهاب، وهو الاتهام الذي يوجه دائماً للدول العربية والإسلامية.
آلاف من الشباب الغربي الذي يبدو طبيعياً وسوياً في مظهره وتعليمه وحياته، انطلقوا بحثا عن هوية أو إنجاز أو تغيير، حتى لو كان في تطرّفٍ فكري، أو تنظيم إرهابي شاذ، أو تصرّف شاذ صارخ في عدوانيته.
لا يختلف سيف الله سايبوف كثيراً عن هؤلاء، حتى لو لم يكن أوزبكياً. مجد شاب عادي كان يمارس حياته بطبيعية وليبرالية، شأن مئات الآلاف من الأجانب والمواطنين في الدول الغربية.
هذا هو الجيل الجديد من المتطرفين والإرهابيين، "ذئاب أنيقة" يتحرّكون منفردين فجأة ومن دون مقدمات أو بوادر ظاهرة. يظلون، طول الوقت، أناساً عاديين، فإذا حانت لحظة الحقيقة، يكتشف العالم فجأة أن كل شاب في الغرب هو إرهابي محتمل، ولكن "جنتلمان".

دلالات

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.