ميكافيللي والإسلام والغرب

ميكافيللي والإسلام والغرب

01 ديسمبر 2017
+ الخط -
راجت أطروحات عديدة خلال العقود الماضية بشأن العلاقة بين الفكر السياسي الإسلامي ونظيره الغربي. وقد حاول باحثون كثيرون إثبات وجود هذه العلاقة من خلال اقتفاء أثر بعض الكتابات العربية والفارسية لدى مفكري القرون الوسطى في أوروبا، كما الحال في كتابات الباحث الفرنسي من أصول لبنانية رينيه خوام (1917-2004) والإنكليزي أنطوني بلاك (1936) وغيرهما من الباحثين الذين أكدوا أن ثمّة علاقة وثيقة بين النصائح السياسية التي كان يقدمها الكتّاب والفلاسفة العرب للملوك والخلفاء، وتلك التي قدمها المفكر الإيطالي نيكولو ميكافيللي (1469-1527) في كتابه المعروف "الأمير".
آخر المحاولات الاستكشافية للتأثير العربي والإسلامي على الفكر السياسي الغربي، في فترة القرون الوسطى، تأتي من خلال كتاب مهم صدرته نسخته الإلكترونية قبل أسابيع قليلة، وسوف تصدر نسخته المطبوعة أوائل العام المقبل عن دار نشر "بالغراف ماكميلان". ويحمل الكتاب عنوان هذه الزاوية "ميكافيللي، الإسلام، والغرب.. إعادة توجيه أسس الفكر السياسي". وهو عدة دراسات رصينة، قدمها باحثون أوروبيون وأتراك عن الجذور العربية والإسلامية لكتاب "الأمير" لميكافيللي.
تؤكد قراءة سريعة في الكتاب ما كان يبدو مشكوكاً فيه بشأن تأثير بعض كتابات الفلاسفة والمفكرين العرب والمسلمين على الفكر السياسي الغربي، وخصوصا كتاب "الأمير" لميكافيللي والذي يعد، بالنسبة لباحثين كثيرين، مؤسس الفكر السياسي الحديث في أوروبا. ففي دراسته المهمة، يفيد الباحث الإيطالي، وأحد محرّري الكتاب، لوشيو بياسوري، إلى أن ثمّة علاقة وثيقة بين كتاب "سرّ الأسرار" الذي يقال إن يحيي بن البطريق، أحد مترجمي العصر العباسي الذين نقلوا الكتب اللاتينية إلى العربية، قد ألفه نقلاً عن ترجماته لكتابات أرسطو ما بين عامي 850 900- وكتاب "الأمير" لميكافيللي. ويكتب بياسوري أن ميكافيللي لم يكن له ليكتب كتابه من دون الإطلاع على كتاب "سرّ الأسرار" الذي كان قد تُرجم إلى اللاتينية، ونُسخ منه ما يقرب من حوالي 500 نسخة، تم توزيعها في مختلف أنحاء أوروبا ما بين القرنين، الخامس عشر والسادس عشر، ولا يزال منها حالياً ما يقرب من 23 مخطوطة. وينبه بياسوري إلى أن كتاب "سرّ الأسرار" حمل عناوين، وربما أجزاء، مختلفة، بحسب اللغات الأوروبية.
وبحسب المؤلف، فإنه بعد ظهور كتاب "الأمير" في منتصف القرن السادس عشر، حصل تراجع لكتاب "سرّ الأسرار"، وهو ما جعل المقارنة بين محتواهما تتراجع وتختفي حتى بدايات القرن الماضي، وذلك حين أعاد الباحث آلان جيلبرت طرح الموضوع من جديد، في مقال له عن تأثير "سرّ الأسرار" على كتاب "الأمير" أوائل القرن الماضي. بل الأكثر من ذلك، هناك من الباحثين الغربيين، مثل جاك جوهوري وميغلور غريتشي، يقولون إن أجزاء من "سر الأسرار" تم نقلها ووضعها في "الأمير". ولعل ذلك ما جعل الكتاب مقروءاً ومنتشراً في العالم العربي على طريقة "هذه بضاعتنا رُدّت إلينا".
وبغض النظر عن مدى التشابه بين كتابي "الأمير" و"سر الأسرار"، فإن التواصل والتلاقح بين الثقافتين العربية - الإسلامية والغربية لم يكن غريباً أو مفاجئاً، وهو أمرٌ ثابت تاريخياً، بيد أن الجديد في الأمر، حسب الكتاب المشار إليه، أن يكون للفكر السياسي العربي دور محوري في صياغة أسس نظيره الغربي، ممثلاً في كتابات ميكافيللي، خاصة "الأمير" الذي يعد من أهم الكتب المؤسّسة للفكر السياسي الغربي حتى يومنا هذا.
A6B2AD19-AA7A-4CE0-B76F-82674F4DCDE4
خليل العناني

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية. عمل كبير باحثين في معهد الشرق الأوسط، وباحثاً في جامعة دورهام البريطانية، وباحثاً زائراً في معهد بروكينجز.من كتبه "الإخوان المسلمون في مصر ..شيخوخة تصارع الزمن".