الجزائر في مواجهة الهجرة

الجزائر في مواجهة الهجرة

04 نوفمبر 2017
+ الخط -
نتج من استفحال ظاهرة الهجرة الأفريقية، في المغرب العربي عموماً، تحول المشهد الهجراتي في المنطقة، ليصبح ثلاثي الأبعاد: هجرة (وافدة) إلى بلاد الهجرة (المغادرة)، وبينهما الاستقرار في حال تعذّر عبور المتوسط نحو الأراضي الأوروبية، فالمنطقة التي كانت ولازالت مصدراً للهجرة نحو أوروبا، أصبحت أيضاً منطقة عبور واستقبال للمهاجرين الأفارقة. فكان أن وجدت الدول المغاربية نفسها بين مطرقة المعايير/ الإملاءات الأوروبية، في الإطار الأورو- متوسطي، على الصعيدين الثنائي ومتعدّد الأطراف، وسندان الهجرة الأفريقية. ولمواجهة هذه الظاهرة، تتحرّك الجزائر على الأصعدة الثلاثة، ساعية إلى تشديد إجراءات محاربة الهجرة (الأفريقية). فهي تشدّد من قوانينها وإجراءاتها الأمنية، للحد من الهجرة الوافدة والمغادرة، وللتعاطي مع المهاجرين المقيمين بطريقة غير شرعية على أراضيها بالعمل على ترحيلهم إلى بلدانهم.
فيما يتعلق بالهجرة الوافدة، تبنت ترسانة قانونية، منذ نهاية العقد الماضي، جرمت من خلالها هذه الظاهرة، وخصوصا شبكات التهريب، وجعلتها مسألة أمنية. واعتبر أخيرا وزيرها للشؤون الخارجية الهجرة الأفريقية وشبكات التهريب تهديداً للأمن القومي الجزائري. هكذا رُفعت الظاهرة إلى مصاف التهديد، وذلك بعد تجريمها وأمننتها (جعلها مسألة أمنية). وتتمثل الإجراءات العملية في تشديد المراقبة على الحدود الجنوبية للبلاد، وجعل مكافحة الهجرة من مهام قوات الأمن والجيش المرابطة على الحدود، لاسيما مع مالي والنيجر وليبيا. وتعمل 
الأجهزة الأمنية على تفكيك شبكات تهريب المهاجرين الأفارقة. أما المهاجرون الذين قبض عليهم داخل التراب الجزائري، فيتم وضعهم في مراكز إيواء خاصة، إلا أن الطاقة الاستيعابية للأخيرة محدودة، ما يفسر وجود عدد معتبر من المهاجرين الأفارقة في المدن الجزائرية الكبيرة والصغيرة، الداخلية والساحلية. كما تعمل السلطات على تنظيم عمليات ترحيل المهاجرين الأفارقة نحو بلدانهم الأصلية، إلا أن هذه العمليات تبقى محدودةً، لصعوبة تنظيمها. فهي ممكنة باتجاه دول الجوار، مثل مالي والنيجر، لكنها صعبة، إن لم نقل مستحيلة نحو دول غير مجاورة، خصوصا أن المهاجرين السريين يتعمدون إتلاف أوراق هويتهم والتخلص منها، تحديداً لتجنب ترحيلهم نحو أوطانهم الأصلية. بل مجرد عملية تحديد سنهم (بالنسبة للقصّر) تقتضي إمكانات بشرية وتقنية معتبرة.
وفيما يخص الهجرة المغادرة، والمعروفة في العامية الجزائرية بـ "الحرقة"، فهي تخص الجزائريين الذين يغادرون البلاد بطريقة غير شرعية نحو أوروبا والأفارقة الذي عبروا التراب الجزائري، ويسعون إلى عبور المتوسط، للوصول إلى الدول الأوروبية، وأيضاً المهاجرين الأفارقة الذين استقروا في الجزائر مؤقتاً، حتى يحسنوا وضعيتهم أو حتى تسنح لهم الفرصة لمغادرتها، فبعض منهم يبقى في الجزائر للعمل، لاسيما في قطاع البناء لجمع مبلغ من المال، بدفعه لشبكات تهريب المهاجرين نحو أوروبا.
فضلاً عن الترسانة القانونية التي تجرّم الهجرة المغادرة وشبكات تهريبها، شدّدت الجزائر مراقبة سواحلها، حيث يعمل حرس السواحل (خفر السواحل) على إحكام مراقبته على سواحل البلاد، بمساعدة قطع البحرية الجزائرية، لكن طول الساحل الجزائري (حوالي 1400 كلم) وتعدّد شبكات التهريب، وتغييرها نقاط العبور باستمرار، فضلاً عن وجود بنية تحتية سرية، لصناعة قوارب الموت، على الرغم من أن الأجهزة الأمنية تدمرها باستمرار، يحول كل هذا دون إحكام هذه المراقبة.
مع استفحال الظاهرة، قرّرت الجزائر، أخيرا، تشديد إجراءاتها الأمنية التي ستدخل حيز التنفيذ مطلع العام المقبل، وبالتحديد بين شهري مايو/ أيار وأكتوبر/ تشرين الأول، وهي الفترة المفضلة للمهاجرين لأسباب مناخية (مياه المتوسط أقل اضطراباً)، حسب ما أوردته يومية الخبر الجزائرية، من بين هذه الإجراءات وضع رقم هاتفي مجاني للتبليغ عن محاولات الهجرة السرية انطلاقاً من السواحل الجزائرية. ما يشير إلى إرادة السلطات إشراك المواطنين في محاربة هذه الظاهرة، وكذلك جعل ظاهرة الهجرة المغادرة من مهام اللجان الأمنية الولائية (على مستوى كل ولاية – محافظة).
وهذا الرقم المجاني موجهٌ، بالأساس، إلى أصحاب المهن المرتبطة بالبحر، مثل الصيادين وسكان الوجهة البحرية للبلاد، للاتصال بالمركز الوطني لعمليات البحث والإنقاذ في البحر، وذلك للتبليغ عن محاولات الإبحار السري باتجاه أوروبا. وتعمل اللجنة الأمنية العليا على اعتماد خطة أمنية متكاملة، تركز على المناطق الأكثر استهدافاً من المهاجرين السّريين للعبور نحو أوروبا، لاسيما ولايات عنابة والطارف وسكيكدة شرق البلاد، ومستغانم ووهران وتلمسان وعين تموشنت غربها، وبالتحديد المناطق المفضلة عند عصابات تهريب المهاجرين على 
سواحل هذه الولايات. طبعاً الإيقاف المستمر لقوارب المهاجرين السريين سمح لحرس السواحل وللدرك الوطني، بوضع خريطة محدّدة، بالاعتماد على الإحصائيات، لتحرّك عصابات تهريب المهاجرين. ما يسمح لها بتشديد مراقبتها على هذه المناطق. يسمح تحديد نقاط العبور البحرية السرية أيضاً لقوات الأمن، بتحديد المسالك البرية التي يستخدمها المهاجرون السرّيون، للوصول إلى الشواطئ، وخصوصا لتحديد المناطق المحاذية للشواطئ، والتي توجد فيها ورشات لصناعة القوارب. كما تسمح لها أيضاً بشق طرقات نحو السواحل المعزولة للسماح للقيام بدوريات هناك. وتتضمن هذه الخطة الأمنية أيضاً استحداث نقاط مراقبة، شبيهة بالموجودة على الحدود البرية، على السواحل، خصوصا المعزولة التي يفضلها المهاجرون السرّيون، لتشديد المراقبة عليها، ذلك أن مجرد حضور قوات الأمن يحدّ من ظاهرة الإبحار السّري نحو أوروبا. وتسعى هذه الخطة أيضاً إلى سد الثغرات في مراقبة الموانئ، خصوصا موانئ النزهة، ما يشير إلى تواطؤ بعضهم في هذه الموانئ مع شبكات التهريب. وبالتالي، قد تكون نتائج إطلاق الخط المجاني للتبليغ عن محاولات الإبحار السري محدودة، لتفشّي الفساد وتحول الهجرة السرية إلى وسيلة استرزاق.
يمكن لحزمة الإجراءات الأمنية هذه أن تحدّ من الهجرة السرية نحو أوروبا عبر المتوسط. لكنها تبقى أداة لمعالجة الأعراض والنتائج، لا الأسباب. فالسبيل الأنجع لمحاربة الهجرة المغادرة هو البحث في أسبابها جزائرياً فيما يتعلق بالمهاجرين السريين، وإحكام مراقبة الحدود البرية الجنوبية، للحد من الهجرة الأفريقية. على الرغم من أنها ضرورية، نظراً لاستفحال الظاهرة وطبيعتها الإجرامية (تكون شبكات تهريب)، فإن المقاربة الأمنية وحدها لن تحل المشكلة. هي بحاجةٍ إلى مقاربة سياسية واجتماعية، للبحث في أسباب الهجرة الجزائرية نحو أوروبا، وإلى تعاون وثيق مع الدول الأفريقية المصدّرة للهجرة، للحد من الأخيرة، وتسهيل عمليات الترحيل.