"ضيف" لن يرحب به

"ضيف" لن يرحب به

27 نوفمبر 2017
+ الخط -

من أجمل ما قرأت في الأدب، سير ومذكرات الأدباء، عن تجارب ومواقف مرت بهم، بل وحتى فرضت عليهم في الحياة، وإن كان الأديب يروي قصة، أحيانا مضحكة وأخرى مبكية. إلا أنه في كلا الحالتين عبرة، فالأدب تجربة إنسانية غنية. وعلى ذكر الأدباء المفضلين، فإن الأديب المصري عباس محمود العقاد، من المفضلين لي.

دعي العقاد يوما إلى مجلس طرب، فوجد المغني قد سبق صاحب الدعوة إلى الترحيب بالضيوف، ويعقب العقاد على هذه الحادثة قائلا "ولا عجب فهو صاحب الليلة". فبشّ هذا المغني في وجوه الضيوف الحاضرين، فهو مبتسم في كل تصرفاته، وتهامس الناس فيما بينهم قائلين ما نحسب إلا نسمع ما لا أذن سمعت، ونرى من مغنينا هذا ما لا عين رأت.

ومضت فترة من الزمن وإذ بالمغني يبدأ بالغناء فيصف العقاد الموقف "فوجئنا بزعقة هائلة لم نعلم أمن السماء هبطت أم من الأرض صعدت... وانطلق الرجل يعوي وينهق ويصهل ويموء ويثغو وينعق ويصيح بصوت كل حيوان مزعج في الأرض".

واستمر هذا المغني في زعيقه الى أن تبرمت الناس، وبعد استنفاذ كل السبل لإيقافه بأدب، بدأ الناس يعبرّون عن سخطهم وضجرهم منه، حتى أتوا على جميع ألفاظ الضجر، فما كان منه إلا أن ردّ هازئا: "يا للأسف ما كنت أحسب أن يبلغ بكم الجهل بأحكام الصناعة ما أرى". وانتهى الأمر بالمغني مربوطا مكمّم الفم، ويعقّب العقاد معتذرا عن هذه الفعلة: "والله يعلم أننا لم ننل منه بهذه المثلة بعض ما نال منا، فإنه ليس أضنى للنفس ولا أحق بالنقمة ممن يجبرك على سماع ما تكره".

الفلسطينيون منزعجون منذ سبعين عاما من "ضيف" ثقيل مكروه ندعوه كيان الاحتلال الإسرائيلي، حط في أرضنا ضيفا مفروضا من الغرب، خاض حروبا، وأسمع صوته المجرم القوي للعالم، أذل العرب في حروب متعددة، لكن في النهاية أسكتته وكممت فاهه مقاومة فلسطينية في أرض تبلغ مساحتها 336 كلم مربع.

من شاء من العرب، أن يستضيف الاحتلال الإسرائيلي لمصالحه، ويستمع لصوته المجرم فهو ينفق من سمعته وشرفه وكرامته. ومن أراد أن يفتح بابه للاحتلال ويجعل منزله منزلهم، فمنازلنا في فلسطين ليست مفتوحة له. ومن يظن أنه بتزعمه للعالم العربي دينيا، سوف يجبرنا على سماع هذا الصوت أو تقبله فهو واهم، بل ولم يتعلم من تاريخ الشعب الفلسطيني.

F4F14766-7D2F-4617-9AFB-878AF02EAFEE
F4F14766-7D2F-4617-9AFB-878AF02EAFEE
أحمد الصباهي (فلسطين)
أحمد الصباهي (فلسطين)