قبرص.. العبور إلى لبنان

قبرص.. العبور إلى لبنان

25 نوفمبر 2017
+ الخط -
برزت أطراف عدة في ملف عودة رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، إلى بيروت، وإبداء تريّثه في استقالته من رئاسة الحكومة، التي أعلنها في الرياض في 4 نوفمبر /تشرين الثاني الحالي. كانت معظم أدوار تلك الأطراف معروفة، خصوصاً الفرنسية والألمانية والمصرية، لكن الدور المفصلي، المستتر، كان لجمهورية قبرص التي تحوّلت، بين ليلةٍ وضحاها، إلى أحد أبرز المهتمين بالملف اللبناني، بشقّه السياسي.
برز اسم الرئيس القبرصي، نيكوس أنستاسياديس، في ثلاث محطات أخيرة في مسألة الحريري. الأولى في اتصاله المفاجئ برئيس الحكومة اللبنانية، في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، حين كان الحريري في الرياض، وكان الحديث "حارّاً" بينهما. مع العلم أنه في ذلك الحين، لم يتمكّن الحريري من التحدث مع أي مسؤول لبناني. في المرة الثانية، كان حين استقبل أنستاسياديس الحريري ليلة 21 نوفمبر، في مطار لارنكا 45 دقيقة، قبل ساعات قليلة من عودة الأخير إلى بيروت، في لقاءٍ غير متوقع، أعقب زيارة الحريري مصر ولقاءه رئيسها، عبد الفتاح السيسي. وتجلّت المحطة الثالثة، بإفادة الرئاسة القبرصية، يوم الأربعاء الماضي، بأن "أنستاسياديس سيطرح مبادرة لنزع فتيل الأزمة اللبنانية، انطلاقاً من عنوانٍ أساسي: استقرار لبنان".
استفسار، فدخول على خط أزمة "استقالة الحريري" ثم المبادرة. ثلاث خطوات قبرصية، هي الأولى من نوعها في تاريخ البلاد، تجاه لبنان. صحيحٌ أن المسافة بين البلدين تبلغ نحو 264 كيلومتراً، إلا أن البحر الفاصل بينهما لم يطوّر علاقتهما، بأكثر من استقبال القبارصة لاجئين لبنانيين، مع اندلاع الحرب اللبنانية (1975 ـ 1990)، ثم الاستثمارات اللبنانية المموّلة بمعظمها من المصارف اللبنانية. دائماً ما كانت علاقتهما السياسية عادية، كعلاقة جارين لا يعرفان بعضهما جيداً، لكنهما يعلمان حدود تعاطيهما المشترك.
إلا أن العلاقة، في الفترة الأخيرة، تحديداً في الأشهر الستة الماضية، باتت أكثر تطوراً، بفعل ملف النفط والتنقيب عنه. حدود البلدين البحرية باتت "ثروة" لا تنضب بالنسبة إليهما. أدرك أنستاسياديس ذلك مبكراً، فزار بيروت في شهر يونيو/ حزيران الماضي، ملتقياً رئيسي الجمهورية ميشال عون ومجلس النواب نبيه بري، بالإضافة إلى الحريري. وحملت الزيارة عنواناً واحداً أساسياً: النفط. النفط الذي حرّك قبرص أخيراً، على خط لبنان ومصر، خصوصاً أن الجزيرة لم تعد قادرة على أداء دور "المضيف" للاجئين محتملين، في أي أزمةٍ قد يشهدها لبنان، بعد تلميحات بحصول فوضى أمنية في بيروت، عقب عاصفة "استقالة الحريري". الاستقرار اللبناني مرتبط عضوياً في الوقت الحالي بالاستقرار القبرصي. وكأن ثنائية تركيا ـ الاتحاد الأوروبي تتكرّر في مكانٍ ما في موضوع اللجوء. يعلم القبارصة أن أي أزمة لجوء جديدة لن تعرقل مسار الطموحات القبرصية الاقتصادية فحسب، بل تدفعها إلى التحوّل إلى نموذج مستنسخ لجزيرة ليسبوس اليونانية أو جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، لناحية استقبال اللاجئين.
أنستاسياديس، وبدخوله الساحة السياسية اللبنانية، من موقع "الناصح"، قد يكون بدأ عملياً أولى خطوات الانخراط القبرصي، غير الاقتصادي لكن بدافع اقتصادي، في المسألة اللبنانية، ذلك لأن الاستثمارات اللبنانية الكبيرة في لارنكا معرّضة للتأثر سلباً بوضعية الداخل اللبناني، ما سينعكس بالسوء على الاقتصاد القبرصي. والغريب أن ارتباط جزيرة مقسّمة جغرافياً منذ عام 1974، بين مجموعتين يونانية وتركية، بلبنان "متعدّد الشعوب"، في سياقه الحالي، مؤشر كبير على تحوّلات التحالفات السياسية والاقتصادية، خصوصاً في سياق إعادة إعمار سورية. فإذا كان لبنان معبراً أساسياً في إعادة الإعمار من جهة الغرب السوري، فإن قبرص ستكون المحطة الأخيرة قبل ذلك.
وبانخراطها في المسألة اللبنانية، تكون قبرص قد سجلت تحرّكاً نادراً سيدفعها أكثر إلى شرقٍ بكنوزٍ نفطية، من دون التخلّي عن غربٍ لم يتركها في السابق. أما لبنان، فيُخشى أن تكون قبرص دولة جديدة فقط على لائحة الدول "المهتمة بالشأن اللبناني".
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".