"زوتوبيا".. الرسوم المتحركة تواجه ترامب

"زوتوبيا".. الرسوم المتحركة تواجه ترامب

25 نوفمبر 2017
+ الخط -
بداعي الأبوة، وجدت نفسي أشاهد فيلم "زوتوبيا". وبعد تململٍ في بدايته، سرعان ما أدركت أن ما أشاهده ليس مجرد فيلم تسلية آخر.
من البداية، يعود اسم الفيلم إلى دلالة أعمق بمراحل من مخاطبة الأطفال، فـ "زوتوبيا" مستوحاة من "يوتوبيا"، المدينة الفاضلة التي تصوّرها الفيلسوف اليوناني القديم أفلاطون في كتابه "الجمهورية". تدور القصة عن الأرنبة "جودي هوبس" التي تنتقل من قريتها إلى مدينة زوتوبيا، الشبيهة بشكل واضح بنيويورك، سعياً وراء حلمها لتكون شرطيةً، على الرغم من أنه لا أرانب في الشرطة. لكن فجأة يتعكر هناك صفو المدينة المزدهرة بسلسلة جرائم مرعبة، ترتكبها فقط بعض الحيوانات التي كان أسلافها من آكلات اللحوم، حيث تُصاب بلوثة جنونٍ دموية. تندفع الصحافة في التحريض، تقول إن هؤلاء الناس يتحولون إلى مفترسين فجأة، لأن هذه هي أصولهم "البيولوجية" بالميلاد، ولا فكاك منها. تندلع مظاهراتٌ تنادي بطرد جميع الحيوانات اللاحمة من المدينة. يحذّر الناس أطفالهم من الاقتراب من هؤلاء، بينما الأقلية التي تعاني الغضب الشعبي هم المتظاهرون المنادون بنبذ هذه العنصرية وتعميم الجرائم، وفي مقدمتهم المغنية "جيزيل" التي تغني بصوت شاكيرا.
نكتشف، في النهاية، أن هذا كله كان مؤامرة دبرتها مساعدة المحافظ، وهي نعجة بريئة ضئيلة الحجم والصوت، وتقول، في عبارةٍ ذات دلالة، إنها تخيف الناس، لتتمكن من حكمهم.
لا يمكنني إغفال تزامن تاريخ انتاج الفيلم في 2016 مع صعود دونالد ترامب. صنّاع هوليود الذين أعلنوا، في أغلبهم، مواقف رافضة له يستخدمون أسلحتهم الأقوى، ولا عجب بعدها أن يحصل الفيلم على "أوسكار" في ذلك الحفل الذي امتلأ بإعلان المواقف العلنية ضد ترامب وتياره اليميني.
تذكّرت، على الجانب الآخر، نوعاً معاكساً تماماً، هناك مثلاً طرزان، حيث هو الأبيض المتفوق عقلياً وجسدياً على كل من في الغابة، حيث يجمع الأصل الانكليزي الرفيع مع قوة الطبيعة وعنفوانها. وهكذا تصبح له السيادة على كل من في الغابة من حيوانات وبشر سود، يتولى حل مشكلاتهم، ويسحق من يعاديه فيهم.
مثال آخر هو كارتون الفيل بابار، الذي طالما استمتعت به في طفولتي، بينما هو في الواقع يتحدث بصوت الاستعمار الفرنسي، خصوصاً في حلقاته الأولى الأقل تداولاً، حيث الفيل العاري الجاهل تصطحبه السيدة الودود إلى منزلها في باريس، تشتري له الملابس، تعلمه كيف يقف على قدمين، بدلاً من أربعة، تعرّفه على أصدقائها، ثم تساعده على العودة إلى الغابة، ليبني لقومه مدينةً تشبه ما تعلمه في باريس.
لكن هذه النظرة بدورها تحتاج تعمقاً. وكما قال الفنان الراحل محيي اللباد، في حديثه عن طرزان، إنه لا يجب أن تؤدي هذه القراءة إلى "نتيجةٍ سهلةٍ تقول إن هناك مؤامرات مدبرة قد وجهها هؤلاء المؤلفون والرسامون والناشرون إلى عقول أبنائنا وأرواحهم، فهذه القصص ببساطة لم تُرسم خصيصاً لهم، ولم تُنتج أساساً بهدف التصدير إلينا، كما أن هؤلاء المؤلفين والرسامين ليسوا دائماً جواسيس ولا أبواق دعاة محترفين.. لكنهم كتبوا ورسموا ونشروا في اتساقٍ مع بديهيتهم ورؤيتهم للعالم".
الجانب الآخر أنها في النهاية أعمال فنية، وبالتالي هي متعدّدة الطبقات، من ناحية هناك التراكم الزمني، فطرزان الذي ظهر في القصص المطبوعة للمرة الأولى عام 1912، في ذروة العصر الاستعماري، ليس هو نفسه طرزان في فيلم عام 2013. ومن ناحية، هناك اختلاف الخطاب باختلاف المشاهد، وكم من كبار قبل الصغار لم يشاهدوا في زوتوبيا أو طرزان أكثر من تسليةٍ انتهت بعد لحظات.
ومع هذه الاعتبارات، تبقى الحقيقة المعهودة بأهمية الأدوار الفنية، مع وضعها في سياق الأدوار الاجتماعية لقوى التغيير. نشهد حالياً موجةً من ترك بعض شباب الثورات السياسة تماماً إلى أنشطة فنية وثقافية وخيرية، أو إلى مجرد مزاولة أعمالهم المهنية النمطية. كل ما نأمله ألا يفقدوا الوعي بقيمة بث الأفكار، ولو على المستوى الاجتماعي، لا السياسي، ولو على المستوى الفردي، لا الجماعي، لعل هذا يمثل خزاناً لتراكمٍ قد يظهر بعد حين.

دلالات