مناهضو الإمبريالية الأشداء

مناهضو الإمبريالية الأشداء

23 نوفمبر 2017

في الملتقى العربي لمواجهة الحلف الأميركي الصهيوني الرجعي (فيسبوك)

+ الخط -
عقدت في دمشق زحوف من اليسار والقوميين ملتقى "كبيرا"، تحت مسمى "الملتقى العربي لمواجهة الحلف الأميركي الصهيوني الرجعي". ولا شك في أن عاصمة "المقاومة والممانعة" تستوعب ذلك، وبالتالي، تحتضن كل هذا الحشد بـ "حرارةٍ" فائقة. كيف لا والنظام الذي يحكمها "ينتصر" في معارك "مصيرية" ضد هذا الحلف، بجيوش "سورية" مائة بالمائة، مستوردة من لبنان والعراق وإيران، وخصوصاً من روسيا، ومن أفغانستان وباكستان وغيرها. بعد أن بات بلا جيش، ولا سيادة، حيث أصبحت سورية محتلة من "الحليف" الجديد: روسيا.
لكن المواجهة بالنسبة لهؤلاء هي مع "الحلف الأميركي الصهيوني الرجعي"، فكل المحتلين الجدد "أصدقاء". وبالتالي من حقهم احتلال سورية وتدميرها، بعد تجريب كل أسلحتهم الحديثة والقديمة، فهؤلاء حلفاء ضد "الحلف الأميركي الصهيوني الرجعي". ولهذا من حقهم فعل ما يريدون، حتى وإنْ انتهت سورية. فكل الشعب السوري "فدوة" لعيون هؤلاء الحلفاء، وكذلك كل المدن والقرى المدمرة، وتهجير أكثر من نصف الشعب السوري. المهم أن نكون ضد "الحلف الأميركي الصهيوني الرجعي". أن نجتمع في "دمشق العروبة" ضد هذا الحلف، ومن أجل تعزيز "صمود سورية" و"انتصارها"، وفيض من الكلمات الرنانة الجياشة و"المؤثرة" التي يمكنها أن تسقط المخطط الذي يحيكه ذلك الحلف. وفي الواقع الذي "أسقطه" صمود "الجيش العربي السوري" وبسالته، وهو الذي بات قوامه يتشكل من لبنانيين وعراقيين وإيرانيين وأفغان وباكستانيين وروس وفلسطينيين، بعد أن "خان" معظم السوريين "وطنهم"، وتركوا الجيش لمن بات يحق له امتلاك سورية، لأنه "دافع عنها". الأمر الذي سيفرض تغيير اسمها، لتصبح روسيا، أو أراضي الإمبراطورية الإيرانية.
ليس ذلك كله مهماً، فـ "الممانعة" تقتضي قبول التدمير والقتل والاحتلال، لأن المهم هو بقاء "النظام الوطني" الذي يقود "حلف الممانعة". لهذا، يصبح مهماً أن يزحف "اليسار الممانع" لتأكيد "انتصار" النظام، ولبناء "قاعدة متينة" لمواجهة الحلف الأميركي الصهيوني الرجعي. ويكون المنطلق الحاسم عقد ملتقى من أجل ذلك. لكن المشكلة البسيطة التي تبدو واضحة أن هذا الخطاب قديم، وهو يتكرّر منذ عقود طويلة، على الرغم من تغيّر كل إحداثيات العالم. كما يبدو أن ما يحدث هو تسجيل لملتقى جرى قبل أربعة عقود أو خمسة، وليس ملتقى جديداً. لا يبدو ذلك مستغرباً، لأن "اليسار" لم يستطع أن يلاحق الأحداث، نتيجة أنه بات في أرذل العمر، وحيث تكلس ذهنه، وبالتالي لم يعد قادراً على أن يُحدث تغييراً في رؤيته، على الرغم من تلاحق الأحداث، وحدوث التغييرات الكبيرة. ربما ما استطاعه هو أنه بدّل كلمة الإمبريالية التي كانت ترد في "مواجهته" القديمة بأميركا، حيث كان يواجه الإمبريالية والصهيونية والرجعية. يبدو فقط للتأكيد أنه لا يقصد روسيا، بل يحدِّد أنه يستهدف أميركا فقط، لكي يزيل الشبهة عن إمبريالية روسيا.
لكن روسيا هذه التي يريد إزالة الشبهة عنها، هي حليف للصهيونية (أي للدولة الصهيونية)، وحليف موثوق يجعلها قادرةً على قصف الأراضي السورية، على الرغم من أن صواريخ أس 400 تغطي كل الأرض السورية. وحليف يجعلها تقبل أن تزيل "إزعاج" حزب الله عنه. ولهذا ستعمل على أن تُخرج إيران وأدواتها من سورية. وأيضاً أن تجعل النظام الذي تكوّنه في دمشق يقبل عقد "صلح" معها، فروسيا ترث المنظور الأميركي، والأدوات الأميركية للسيطرة على المنطقة.
وما دام الأمر يتجاوز الحديث عن روسيا، لا يكون مفيداً الحديث عن حلفائها، فـ "الرجعية" حليفة لروسيا، حيث إن دول الخليج قطعت أشواطا في التفاهم معها، وعقدت الصفقات، بما في ذلك التفاهم على إنتاج النفط، وشراء الأسلحة، والتبادل التجاري الذي بات يشكّل رقماً مهماً، وأيضاً التفاهم على وضع سورية. فكل دول الخليج العربي قبلت بالمنظور الروسي، و"سلَّمت" بأن روسيا هي التي ستقرِّر طبيعة الحل.
بالتالي، ألا يظهر هذا الشعار "المتشدّد" كأنه بروباغندا فقط، ما دام الأمر لا ينطلق من فهم جديد للصراعات العالمية، وللتنافس حول سورية؟ ربما ليس أفضل من أن تغطي جرائم اليوم باستعارة شعاراتٍ قديمة، باتت بالية. هذا هو واقع "اليسار الممانع".