الفشل في قاموس المقاومة

الفشل في قاموس المقاومة

22 نوفمبر 2017
+ الخط -
الفشل، لا أحد من البشر تقريبا يحب هذه الكلمة، لا صفة ولا حتى موصوف.
بيد أن عديدين من كبار علماء النفس والتنمية البشرية يحفظون للفشل فضله، إذ يقضي منطقهم بأنه لولا الفشل ما وصلنا إلى النجاح. وحسب "ويكبيديا" "للنجاح تفسير تقليدي، وهو يعتبر فسح مرور أو إشباع رغبة أو حاجة معينة لتحقيق هدف منها من وراء النجاح، وإن لم يتحقق كان الفشل"، فالنجاح نتاج معادلة تقول: التوفيق مع الجد والاجتهاد يقود إلى النجاح، أما الفشل فهو ناتج من تقصيرنا وعدم إعطاء النجاح حقه لتحقيقه، لكننا طالما نرمي جبة الفشل على منصة الحظ والظروف والحقيقة، كل هذا نسلي به أنفسنا، ونغطي به عيوبنا في التقصير، وعدم الإخلاص للنجاح وتحقيقه.
ومنطق الأمور التي خلقها الباري عز وجل أنّ الأشياء تعرف بأضدادها، فلولا الليل ما عرفنا النهار، ولولا الظلم ما عرفنا العدل، ولولا الخيانة ما عرفنا الوفاء، ولولا الفشل ما عرفنا النجاح، وهكذا هي الحياة مليئة بالأضداد.
وهناك مجموعات بشرية في الغرب الأوروبي ذات لون فكر علماني أو يساري، لا تخجل من كلمة الفشل، ولا تحارب قائلها، بل تتخذ من هذا الفشل منطلقا لتسطير مزيد من النجاحات.
حتى أن الشركات الكبرى في العالم توظف من الجهابذة من يتتبع الأخطاء لديهم، لكشفها وتلافيها، بل وتمنح أيضا جوائز ضخمة لمن يكشف فشلا في أنظمتها الإلكترونية المحصّنة، لأنها تسعى إلى الكمال في برمجياتها، لتحافظ على أسبقيتها في هذا المجال. وهناك أناس آخرون لا يحبون كلمة الفشل، كباقي بني البشر، لكنهم يحاربون من يشير إلى هذا الفشل بغرض علاجه وتلافيه في المستقبل، ويصفون من ينبه إلى الأخطاء بالإنسان السلبي أو العدمي، ويعملون على عزله ونفيه على أطراف الفعل، خوفا ربما من أن تصيبهم العدوى فيصبحوا من المبصرين.
وشعبنا الفلسطيني المرابط على أرضه الذي ينظر إلى المقاومة التي نجحت فيما لم تنجح فيه كل دول العرب، إذ حلقت طائرات المقاومة المسيرة غير مرة فوق مغتصبات العدو وقواعده العسكرية، وقبَل جنوده في موقع ناحل عوز أحذية المجاهدين يتوسلون عدم قتلهم. فالشعب الفلسطيني العربي الذي تابع بعيون العزة والفخار المجاهدين، وهم يتسللون خلف خطوط العدو، ويعودون محملين بالغنائم والأسرى، وشاهدهم حين باغتوا قاعدة زيكيم، حيث تجسدت البطولة والإقدام في المقاوم الهمام وهو يقتحم بجسده العاري دبابة الميركافاه 4 ويلصق عبوته في ظهرها فتفجرها.
ينظر هذا الشعب إلى مقاومته بعين الكمال، ويريد لها أن تكون نموذجا في كل شيء، فحين تحفر الأنفاق لا يريد أن يراها تنهار، وحين تضرب المقاومة صواريخها لا يريد أن يراها تخطئ أهدافها، وحين يتسلل المجاهدون خلف خطوط العدو يريد أن يرى تحريرا وتمركزا لا غارة ثم عودة، وحين يمتشق الكوماندوز البحري عبواته، ويسيّر غواصاته المسيرة، يريد أن يرى بوارج العدو تتفجر. ومن يبقى منها يلوذ بالفرار من بحر زرعته المقاومة بالموت الزؤام، وحين تسيّر المقاومة طائراتها المسيرة يريد أن يراها تلهب قواعد العدو للتحكم والسيطرة لهيبا ونارا، وتحول مطاراته كتل من اللهب.
الفشل الذي عايشه شعبنا طوال سنوات النكبة، التشرد والشتات، كلمة بات الشعب يعتقد أن المقاومة شطبتها من قاموسها، وهي تسجل توازن الردع مع العدو، ثم هي مقبلة في الجولة المقبلة على تسجيل قاعدة جديدة وهي التحرير والتمركز.
9197D8CA-12AD-4FAB-B5E0-F801DF74A0B9
9197D8CA-12AD-4FAB-B5E0-F801DF74A0B9
عماد عفانة (فلسطين)
عماد عفانة (فلسطين)