هل حان التغيير الديمقراطي في زيمبابوي؟

هل حان التغيير الديمقراطي في زيمبابوي؟

20 نوفمبر 2017
+ الخط -
على الرغم من أنّ الجيش في زيمبابوي قام يوم 15 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري بـ"حركة تصحيحية"، استهدفت إزاحة الرئيس روبرت موغابي (93عامًا) من السلطة، بعد طرد نائبه إمرسون منانغاوا الأسبوع الماضي، وهو ما أطلق شرارة الأزمة السياسية، فإنّ اجتماع قائد الجيش الجنرال كونستانتينو تشيوينغا ووزيرين من جنوب أفريقيا أرسلتهما بريتوريا للتوسط في حل الأزمة مع الرئيس موغابي الذي يحكم زيمبابوي منذ العام 1980، لم يفض إلى تسوية سياسية بالتراضي تقود إلى انتقال سلس للسلطة لنائب الرئيس منانغاوا.
ويأتي تحرك جنرالات الجيش الزيمبابوي لقيادة هذه "الحركة التصحيحية"، من أجل منع موغابي من تسليم السلطة لزوجته غريس التي تصغره بـ 41 عاماً، والتي كونت قاعدة أتباع لها بين جناح الشباب في الحزب الحاكم، وبدت على أعتاب السلطة بعد عزل منانغاوا.علمًا أن موغابي لا يزال مصرًّا على أنه الحاكم الشرعي الوحيد للبلاد، ويرفض الاستقالة، لكن الضغوط تتزايد على زعيم حرب العصابات السابق لقبول عروض بخروج كريم.
وقال زعيم المعارضة في زيمبابوي، مورغان تسفانغيراي، منذ اليوم الأول لتحرّك الجيش، إن موغابي يجب أن يستقيل من أجل مصلحة البلاد. ويشير استيلاء الجيش على السلطة إلى انهيار في أقل من 36 ساعة لأجهزة الأمن والاستخبارات وشبكات الرعاية التي أبقت على حكم موغابي 37 عاماً وحولته إلى "الرجل الكبير المحنك" للسياسة الأفريقية.
وبعد حرب تحرير طويلة، وبدافع من الحكومة البريطانية، عقد المؤتمر الدستوري في لانكستر هاوس الذي وضع حداً للصراع ا بين الحزبين الوطنيين، "الزانو" بقيادة روبرت موغابي والاتحاد الأفريقي لشعب زيمبابوي (الزابو) بقيادة جواشوان نكومو من جهة، وحكومة إيان سميث العنصرية من جهة أخرى. وعقب الانتخابات التي جرت في فبراير/ شباط 1980، أصبحت زيمبابوي دولة مستقلة، وتولى موغابي رئاسة الحكومة، فيما تولى رفيق دربه في
الكفاح التحرري الوطني، جواشوان نكومو، وزارة الداخلية. وقد فرضت الحكومة البريطانية، بعد محادثات السلام تلك، دستورًا يضمن للأقلية البيضاء وللأجانب امتلاك المصادر الزراعية والمنجمية والصناعية عشرة أعوام.
وكان أحد العوامل الذي أسهم في فوز حزب الرئيس روبرت موغابي في الدورات الانتخابية الرئاسية الماضية هو الإصلاح الزراعي الذي قام به، وهذه تعتبر قضية عادلة في زيمبابوي، ولا أحد يشكك في أن هناك أزمة حقيقية في هذا المجال، بسبب أن الأقلية البيضاء التي تمثل 1% من السكان كانت تمتلك 70% من أخصب الأراضي في البلاد. وكان الإصلاح الزراعي الذي عجل به الرئيس موغابي منذ فبراير/ شباط 2000 قد انطلق متأخرا، إذ شرع بعض "قدامى المحاربين" الزيمبابويين الذين شاركوا في الحرب ضد النظام العنصري السابق يحتلون بالقوة بعض أملاك المزارعين البيض الذين يسيطرون على الجزء الأكبر من أفضل الأراضي. ومن المعلوم تاريخيا أن استعادة هذه الأراضي كانت المطلب الرئيس في النضال من أجل الاستقلال.
وظل الاقتصاد التصديري الطابع المهيمن في زيمبابوي، وعجز عن إيجاد فرص عمل جديدة للخريجين من الجامعات، كما إن صناعة النسيج انهارت بسبب منافسة جنوب أفريقيا، لكن ما أضر بالاقتصاد سلسلة فضائح الفساد التي لوثت سمعة عائلة الرئيس موغابي وأصدقائه الذين قبضوا عمولات كبيرة من المشاريع الحديثة، مثل إقامة شبكة الهواتف النقالة، وتوسعة مطار هراري، وبناء محطة حرارية، كما إن نمط الحياة الباذخ للطبقة السياسية الحاكمة أسهم في ولادة معارضة تجاه حزب الزانو الحاكم الذي يعتبر حزبًا ستالينيًا بامتياز.
وعلى الرغم من الانتقادات الشديدة المسلطة عليه من الدول الغربية التي تتهمه بسوء الإدارة وانتهاك حقوق الإنسان، وتزويرالانتخابات في سبيل البقاء في السلطة بأي ثمن، على رأس بلد منهار، حانت فيه ساعة التغيير، فإنّ موغابي رفض التخلي عن السلطة، وتمسك بالرئاسة مدى الحياة، مقدمًا صورة ساطعة عن نظام الحكم الشمولي الذي ظل يتغنى بأمجاد ما قدمه موغابي زمن الكفاح والتحرّر الوطني ضد الاستعمار، وكأنّ هذا الكفاح يعطيه بوليصة الشرعية التاريخية، لكي يستمر في السلطة منذ أكثر من ثلاثة عقود، على الرغم من تصاعد الضغط الدولي عليه.

ولعب القضاء الفاسد دورًا مركزيًا في بقاء موغابي طويلاً في السلطة، فكل قضاة زيمبابوي تقريباً اختيروا بحسب معيار واحد، هو انقيادهم إلى سلطة موغابي الذي ورّط قضاة المحكمة العليا من طريق تمليك معظمهم أراضي مصادرة، كانت تعود إلى ملاكين بيض، وينتفع القضاة الملاكون هؤلاء، منذ سنوات، من تسليفات ضئيلة الفوائد، وتجهيزات رخيصة الثمن، ومحروقات تعطى لهم مجانا. ويعلم القضاة أن تسلم الحركة في سبيل تغيير ديموقراطي (المعارضة) الحكم قد ينتزع امتيازاتهم.
وفيما ترغب الولايات المتحدة في أن تشهد زيمبابوي "عهداً جديداً"، ما يعني ضمنيا مطالبة موغابي بالتنحّي، طالب الرئيس الغيني، ألفا كوندي، بوصفه رئيس الاتحاد الأفريقي، باحترام الدستور، وبالعودة إلى النظام الدستوري، وقال "لن نقبل أبداً الانقلاب العسكري". بينما تعتبر حركة التغيير الديموقراطي المعارضة أن الوقت حان لرحيل موغابي من السلطة، وهي متفائلة في هذا الشأن، إذ دعت الجيش إلى إقامة الديموقراطية الدستورية، معربة عن أملها بأن يقود التدخل العسكري إلى "تأسيس دولة وطنية مستقرة وديموقراطية وتقدمية".
E8457B4F-E384-4D2B-911B-58C7FA731472
توفيق المديني

كاتب وباحث تونسي، أصدر 21 كتاباً في السياسة والفكر والثقافة