ما قاله عاطف أبو بكر

ما قاله عاطف أبو بكر

20 نوفمبر 2017

بدر الدين الصائغ يسأل وعاطف أبو بكر يجيب

+ الخط -
سأل غسّان شربل القياديَّ السابق في تنظيم أبو نضال (حركة فتح – المجلس الثوري)، عاطف أبو بكر، في مقابلةٍ معه، نشرتها صحيفة الحياة في سبع حلقاتٍ في عام 2002، عن البلدان العربية التي أبرمت اتفاقياتٍ أو تفاهماتٍ مع صبري البنّا (أبو نضال)، فأجاب أبو بكر إن بعض الدول العربية فعلت ذلك لكفّ الشر، وسمّى منها الأردن فقط "في مرحلةٍ عابرة". وليس في وسع صاحب هذه الكلمات أن يحسم ما إذا كان سؤالٌ كهذا طرحته قناة العربية على أبو بكر في الحلقات الحوارية (السبع أيضا) معه، وشوهدت في 2015، أو أن عزّام التميمي سأله هذا السؤال في أيّ من الحلقات الـ 13 للمقابلة معه على شاشة قناة الحوار في 2011. ولكن من الميسور تأكيد أن عاطف أبو بكر لم يدل في أيٍّ من أحاديثه الغزيرة تلك بما سمعناه منه على شاشة تلفزيون العربي، السبت الماضي (18 /11 /2017) في نصف الساعة الأخير من الحلقات الأربع للمقابلة معه في برنامج "في رواية أخرى"، عن تفاهماتٍ واتفاقياتٍ عقدها أبو نضال مع العربية السعودية، وقبض بموجبها أموالا معتبرة، وأخرى قبلها مع دولة الإمارات، في مقابل أن يتوقف عن ارتكاب اغتيالاتٍ ضد دبلوماسيين من البلديْن، وعن استهداف طائراتٍ لهما، في ابتزازٍ ظاهر، بعد أن أصيبتا في جرائم اقترفها أبو نضال ضدهما. 

لم يكن في وسع السفير الفلسطيني السابق، والملتحق بالتنظيم بزعامة صبري البنّا بين عامي 1985 و1989، أن يُشهر المعلومات المفصّلة التي لديه، في أيٍّ من المقابلات الصحافية العديدة التي أجريت معه في العقدين الماضيين، لا لشيءٍ إلا لأنها معلوماتٌ بالغة الحساسية تخصّ السعودية والإمارات، فيما أي كلامٍ بشأن غيرهما مبذولٌ وميسور. وما أن تسنّى ظرفٌ ومزاجٌ سياسيان مناسبان، ومنبرٌ إعلامي لا يستشعر حرجا في هذه المسألة وغيرها، وجد عاطف أبو بكر أن في وسعه أن يجيب عن سؤال بدر الدين الصائغ، وفي تلفزيون العربي تحديدا، بغير ما أجاب به غسّان شربل قبل 15 عاما. فيقول إن صبري البنّا دُعي في 1987 لزيارة السعودية، تحت غطاء أداء العمرة، بعد رسالةٍ منه إلى الأمير سلمان بن عبد العزيز (الملك حاليا)، والذي التقاه، كما مسؤولون سعوديون آخرون، ثم عاد أبو نضال إلى الجزائر بثلاثة ملايين دولار. وتمت زيارة أخرى بعد شهرين. وفي زيارة ثالثة (وأخيرة) بعد غزو الكويت، التقى بمخبرين أميركيين أيضا. وعلى ذمة عاطف أبو بكر، كان عناصر من التنظيم المنشق عن حركة فتح ينتقلون، في تلك الفترة، بطائراتٍ عسكريةٍ أميركيةٍ، من مكان إلى آخر، وأن المملكة ظلت تحوّل مليون ريال سعودي شهريا إلى حساب بنكيٍّ يتبع أبو نضال في القاهرة، حتى 1999. وبذلك يكون هذا الرجل قد نجح في ابتزاز العربية السعودية، بعد أن اغتالت عناصر في تنظيمه دبلوماسيين سعوديين في بانكوك وكراتشي وأنقرة، واختطفوا رهائن في سفارة المملكة في باريس. وبشأن دولة الإمارات، ثمّة في أرشيف جرائم أبو نضال تفجير طائرة ركابٍ مدنيةٍ كانت قادمة من كراتشي إلى أبوظبي، وقضى من فيها. واغتيال دبلوماسيين إماراتيين في باريس والكويت وروما، وظل صبري البنّا يهدّد الإمارات بالمزيد، و"لوى ذراعها"، فدفعت له 17 مليون دولار على دفعات، ثم ثمانية ملايين دولار.
كثيرون ممن أورد صاحب هذه الشهادة المثيرة أسماءهم، في حكيه تفاصيل وافية عن هذا كله، أحياء. وفي وسع أي منهم أن يعقّب بالتوضيح أو التأكيد أو التكذيب، غير أن الأهم أن التنظيم الفلسطيني الذي صنعته مخابرات البعث العراقي إبّان أياديها الطولى في السبعينيات، وبعد ثلاثين عاما قبرته بقتل صبري البنّا ذاته، ما كان لوساخته أن تتيسّر لها أسباب عزّها الإرهابي ذاك، لولا أن أنظمةً عربيةً، سمّت نفسَها تقدميةً أو سُمّيت رجعيةً، تكيّفت مع هذه الوساخة، وآوت ودفعت وظللت، بذريعة كفّ الشر أو بغيرها مما تقنع أجهزة المخابرات نفسَها به. وعلى أي حال، مفيدٌ أن ينكشف كل هذا الأرشيف الباهظ الفداحة والسفالة، وينكشط كل طلاءٍ تغطّى به هذا النظام العربي أو ذاك، ليس فقط إن كان قذّافيا في ليبيا أو بعثياً في العراق، بل أيضا إذا كان مترفا بمهابة الطقوسية إياها في الرياض، أو إن بدأ يتهجّى في أبوظبي خطواتِه إلى موضعٍ متقدّمٍ في الخراب العظيم.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.