درجة التفكير

درجة التفكير

20 نوفمبر 2017
+ الخط -
التفكير بما هو نسيج متكامل ومترابط من الموضوعية، العقلنة والمعقول، تختلف درجته من قضية إلى أخرى. لعل هذا التباين يعود بالأساس إلى مدى عمق المواضيع المراد التطرق إليها والتعمق فيها، إذ هناك قضايا ذات صبغة حساسة، وتتعلق أساسا بما هو نفسي، شخصي ووجداني. فهي بذلك تمثل مجالا يجذر دلالات الخوف، الشك والخشية، ما يعزب عن الذات الخوض فيها. فلكأن الذات تجد نفسها غير مؤهلة لخوض غمار هذه الملحمة النفسية، أو لعلها ترفض المجازفة براحتها النفسية وسعادتها أمام التفكير في قناعاتها الشخصية. وأخيرا، تجد نفسها ملزمة بتأجيل تلك المواضيع، تفاديا للكشف عن حقائق "غير مرغوب فيها"، نظرا لما يمكن أن تحدثه من تغيرات هامة وجذرية.
وضمن هذا الإقرار، تجدر الإشارة إلى أنّ اختلاف درجة التفكير من موضوع إلى آخر يكون نتيجة الخشية من أن تكون الحقائق والقناعات السابقة مجرد مغالطات، أحكام مسبقة خاطئة أو دوغمائيات، غير أنّ ضريبة التفكير تنفى جلّ هذه الفرضيات، حيث يتعارض التفكير مع مظاهر الجمود والقنوط الفكري، الأمر الذي يجعل من الذات أداة لا تتوقف عن التفكير. لتجد نفسها مجبرة على خوض تجربة نفسية جد صعبة، نظرا إلى درجة الوعي التي اكتسبتها الذات، نتيجة إعمالها الفكر وسعيها الدائم في مجال البحث، التقصي والإبداع.
كل محاولة لتجنب التفكير أو اعتماد أسلوب اختياري في المواضيع والقضايا بغية دراستها وتحليلها، تتنافى مع مقومات الفكر الموضوعي والعقلاني. وبالتالي، نتيجة انتهاجها منهج النسيج الفكري الموضوعي، يمكن للذات أن تتوصل إلى نتيجتين، إما أن تؤيد وتثبت مختلف الانتقادات أو أنها تنفيها وتؤكد بذلك قناعاتها السابقة.
وعليه، فإنه في كلتا الحالتين ستتبلور الحقيقة، الأمر الذي من شأنه أن يحقق عنصر السعادة، بما هو حالة من الراحة النفسية التي تناشدها وتبتغيها كل ذات عايشت الخوف، وكابدت الضياع، وراودها الشك.
74AB1921-BCE8-4301-ABE1-D55D6503A198
74AB1921-BCE8-4301-ABE1-D55D6503A198
إسماعيل الهدار (تونس)
إسماعيل الهدار (تونس)