أزمة الحريري ومصير لبنان

أزمة الحريري ومصير لبنان

20 نوفمبر 2017
+ الخط -
يبدو أن أزمة سعد الحريري، لم تنته بعد، وثمّة مشاهد جديدة لها، ربما تكون أكثر إثارة مما جرى في الأسبوعين الماضيين، بعد إعلان الحريري في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري استقالته من رئاسة الحكومة اللبنانية، وهو في زيارة للرياض.
ذهب الحريري إلى فرنسا بعد أن دخلت باريس بثقلها على خط المشهد المتأزم. وبلغ حرص الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، على أن يكون لفرنسا موقف واضح وقوي، فنظم للحريري استقبال رسمي باعتباره رئيس وزراء. وأعلن الإليزيه، في بيان له مغزاه، أن الحريري لا يزال رئيس حكومة، لأن استقالته لم تُقبل بعد في لبنان.
حمل ذلك المشهد المثير في باريس رسالة علنية باستياء فرنسا من سياسات الرياض وتحركاتها الأخيرة. بعد أن كانت باريس الأعلى صوتاً بين العواصم الأوروبية في الاستفسار عن حقيقة وضع الحريري في السعودية، ولوحت بنقل الموضوع إلى الأمم المتحدة.
ولا يعني الموقف الفرنسي بالضرورة تشجيع الحريري على الاستمرار في منصبه، أو على التراجع عن الاستقالة. لكنه يعكس رؤية تفيد بأن مصير رئيس الحكومة اللبنانية يجب أن يتحدد لبنانياً، على الأقل من الناحيتين، الشكلية والإجرائية.
في الداخل اللبناني، أدى غياب الحريري أسبوعين إلى التفاف اللبنانيين حوله، تعاطفاً مع غيابه الجسدي، وفزعاً من غيابه السياسي. صحيحٌ أن مفاجأة الاستقالة وملابساتها ألجمت الجميع في البداية، حتى أن حالة التساؤل والتردّد في تبني موقف واضح، جمعت غالبية القوى اللبنانية.. من تيار المستقبل إلى حزب الله، وما بينهما من أطياف متباينة، إلا أن المفاجأة أخذت وقتها، وبدأت القوى اللبنانية والأطراف الخارجية تضع تقديراتها للمستقبل القريب، وتدرس خياراتها والبدائل المتاحة أمامها.
وسواء بقي الحريري في بيروت أو عاد سريعاً إلى الرياض، وهو الأرجح، سيظل محور كل التداخلات والحسابات المعقدة، بعد أن صار مستقبل لبنان مرتبطاً بمصير الحريري، شخصاً وحكومة.
وبعد أن وعد أنه سيعود إلى لبنان للمشاركة في احتفالات عيد الاستقلال بعد غد الأربعاء، كيف سيكون مصير الحريري؟ ومن ثم لبنان؟ ليس مصير الحريري، على أهميته، عصياً على التوقع. مجرد إعلان الرجل استقالته، طوعاً أو قسراً، يعني خروجه سياسياً من المعادلة اللبنانية، سواء بتفعيل الاستقالة وترك المنصب أو بالتراجع عنها.
تكمن المعضلة فيما سيترتب لبنانياً على خروج الحريري شبه المحتوم. حيث ينتظر لبنان مجدّداً فراغاً سياسياً وإحياء للخلافات التقليدية المتكررة بشأن شخص رئيس الحكومة ومحاصصة الحقائب الوزارية. وفي ظل الاحتقان الإقليمي والاستقطاب الحاد بين السعودية وإيران وحلفائهما خارج لبنان، يكون الوضع الداخلي مرشحاً للالتهاب وربما التفجر.
إلى هنا، ليس ذلك التسلسل جديداً على لبنان، لكن معطياته قد تحمل نتائج مغايرة هذه المرة. في السابق، كان الاستقطاب المحيط بلبنان يتسلل إلى داخله بسلاسةٍ وتلقائيةٍ، بحكم التوافق بين القوى الداخلية وداعميها الخارجيين.
لكن أزمة الحريري لا تتسق مع هذا النموذج التقليدي. فأول من فوجئ بالاستقالة هم حلفاء السعودية، وتراوحت مواقفهم بين الدهشة والتساؤل والتحفظ. إن لم يكن على وجود البصمة السعودية في الاستقالة، فعلى إخراجها بطريقةٍ محرجةٍ للحريري وللبنان.
إذن، أرادت الرياض تحريك الموقف الداخلي في لبنان، وخلخلة التوازن الحرج القائم هناك للضغط على تحالف إيران/ حزب الله. لكن تغييب سعد الحريري قد يفضي إلى رد فعل عكسي، ظهرت إشاراته في الخارج، بتعليقاتٍ قويةٍ من بعض العواصم الأوروبية، مثل برلين بعد باريس.
داخلياً، سادت حالة من التململ داخل لبنان بين كتلة تيار المستقبل النيابية وحلفائها، قد لا تفضي إلى إنهاء الارتباط أو كسر التحالف مع الرياض. لكن ربما إلى عدم التعنت مع حزب الله، وتقبل حلول وصيغ توافقية لإتمام الاستحقاقات السياسية المقبلة (تشكيل حكومة جديدة ثم انتخابات برلمانية) على غير ما كانت تريد الرياض.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.