هكذا تكسب إيران وتخسر السعودية

هكذا تكسب إيران وتخسر السعودية

17 نوفمبر 2017
+ الخط -
تضعنا السياسات السعودية، تحديدا، في موقف حرج كعرب "سُنَّةٍ"، ذلك أنه في ظل الفرز المذهبيِّ البئيس في المنطقة الموصوفة بالشرق الأوسط، فإن أغلبيتنا محسوبةٌ على محور "الإسلام السُنِيِّ"، الذي تتنطح المملكة لصدارته، في مقابل "الإسلام الشيعيِّ" الذي تتزعمه إيران. وبعيدا عن الطوباوية، وحديث المُثُلِ والمصالح العليا، يخوض كلا المحورين حرباً مريرةً في غير ساحةٍ مزقت نسيج "أمة الإسلام"، وضعضعت مناعة الجسد ضد الفيروسات القاتلة التي غزته بقوة، وأحدثت فيه دمارا يصعب إصلاحه. في سورية واليمن، يخوض المحوران معارك وقودها الدماء، وفي العراق ولبنان والبحرين هناك تصعيد قد يقود إلى حروبٍ دمويةٍ أخرى بالوكالة، تزيدنا تمزيقاً فوق ممزقنا.
في حمأة الصراع والصدام بين المحورين، وفي خضم استيائنا من سياسات إيران الطائفية والعدوانية، فإننا ينبغي أن نتذكّر دوما أن الصراع المذهبي في المنطقة هو توظيف سياسي أكثر منه حقيقة دينية. أيضا، فإننا نحن المحسوبين، رغماً عنَّا، على "المحور السنيِّ"، مطالبون بأن نواجه الحقيقة المُرَّةِ، فمن يوظف السُنِّيَةَ، ونتحدث هنا عن السعودية، مقابل الشيعِيَّةِ، ليس له أهداف سياسية جامعة وكبرى، كما لإيران عبر توظيفها ورقة التَشَيُّعِ. السعودية تلعب بورقة التَسَنُّنِ، لخدمة حكم فرع من عائلةٍ، في حين تلعب إيران بالتَشَيُّعِ لخدمة أجندة دولة. فارق بين 
الاثنين. الأدهى أن السعودية، ومعها محورها، تسيء للسُنِّيَةِ في صراع النفوذ في المنطقة مع إيران عبر حشرها، أي الهوية السُنِّيَةِ، في محور أميركي - إسرائيلي. هذا اختطافٌ للإسلام، وإظهار للسُنَّةِ كأنهم عملاء. أمَّا ثالثة الأثافي، فأنه في الوقت الذي تعمل فيه إيران على توحيد القوى الشيعية، وحلفائها في المنطقة وراءها، تفتعل السعودية معارك كارثية داخل محورها، تشرذمه وتضعفه. وإلا كيف نفسر تصعيدها مع قطر، وقبل ذلك مع جماعة الإخوان المسلمين؟
مسألة مهمةٌ أخرى هنا. بغضنا سياسات إيران وحزب الله العدوانية في سورية والعراق واليمن ولبنان لا يعني أبدا القبول بعدوان آخر تمارسه السعودية والإمارات بالتعاون مع إسرائيل، وبحماية أميركية، على أمة العرب بأسرها ومستقبلنا، كما في مصر وقطر وليبيا واليمن.
التقارير المتواترة عربياً وغربياً عن موضوع احتجاز، رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، في الرياض، وإرغامه على الاستقالة، للدفع باتجاه مواجهة مع حزب الله وإيران على أرض لبنان، ينبغي أن تقرع أجراس الإنذار. هذا تصرف صبياني خطير، قد يقود إلى تداعياتٍ إقليمية أمنية كبرى، وربما إلى مواجهةٍ عسكريةٍ سعودية- إيرانية مباشرة. وللأسف، فإن محور السعودية- الإمارات ما عاد يتردّد في كشف علاقاته المريبة مع إسرائيل، على الرغم من الإشارات المستاءة الصادرة عن المملكة جراء عدم تعبئة إسرائيل نفسها لحربٍ مع حزب الله في لبنان، فإسرائيل لا تضحي بدماء أبنائها من أجل أحد، بل تتوقع من الآخرين أن يفعلوا ذلك من أجلها.
يباهي، اليوم، رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، بعلاقات بلاده الممتازة مع ما يسميه "محور الاعتدال العربي"، وهو يقصد تحديدا السعودية والإمارات ومصر والبحرين. بل لم يتردد، غير مرة، في التأكيد على أن بعض الدول العربية "السُنِّيَةِ" توافق رؤية كيانه أن إيران هي العدو الحقيقي في المنطقة. هكذا فجأة أصبحت إسرائيل حليفا للعرب، لا معتدياً عليهم! ولكي تثبت المملكة، بقيادة ولي العهد، محمد بن سلمان، أنها حليف موثوق لإسرائيل، لم تتردد في استدعاء الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، في السادس من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري إلى الرياض، ليبلغه ابن سلمان، حسب تقارير إسرائيلية وعربية وغربية، بلغة واضحة من دون مواربة: اقبل بإطار التسوية السياسية مع إسرائيل الذي تنوي إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب تقديمه أو استقل! المشكلة أن الإطار الذي تعمل عليه إدارة ترامب، وفق التقارير نفسها، ينتقص حتى من الحد الأدنى الذي لا زالت القيادة الفلسطينية تتمسك به. ولكن هذا لا يعني السعودية، ولا حليفها الإماراتي، وربما المصري، فالمهم، رضى أميركا وإسرائيل.
في الموقف من موضوع التصعيد بين المحورين السعودي والإيراني، فإن كلا منهما سيئ ومعاد لطموحاتنا ومصالحنا، نحن الشعوب العربية. لكن الصعوبة في تحديد الموقف تتضاعف إن دخلت إسرائيل على الخط. إسرائيل عدو أزلي، ومحور أميركي- إسرائيلي- سعودي، مع بقية الحواشي والهوامش التابعة والشريكة، لن يستهدف أبدا نصرة قضايانا العادلة، كما في سورية أو اليمن. بل إن جُلَّ ما سيفعله هو تحويل بندقية القتل من كتفٍ إلى كتف. وكلا المحورين قاتل لنا في الآن ذاته.
إعلان الشماتة بمحور إيران، والوقوف مع محور السعودية- إسرائيل وداعميهم، ومن يدور في 
فلكهم، يمثل انتحارا، مبدئيا ومصلحيا. لو حدث عدوان على لبنان أو إيران، أو كليهما، فإننا ومن دون تردد ينبغي أن نكون ضده، فمن سيعتدي عليهما، بما في ذلك أميركا، لن يقوموا بذلك حماية للسوريين واليمنيين، وإنما خدمة لإسرائيل التي سفكت دماء الجميع، وتستهدف الجميع.. وستبقى كذلك. أما إن تم التصدي لإيران وحزب الله في سورية واليمن، عربيا وإسلاميا، من دون أجندة تخريبية متحالفة مع إسرائيل على حساب فلسطين، فأهلا وسهلا، لكن هذا لن يقع، ولا ينبغي أن نسقط في الوَهْمِ هنا. وكل من راهنوا على موقف أميركي لنصرة الشعب السوري يعلمون الآن يقينا أن الولايات المتحدة هي من تركت محور روسيا- إيران- النظام حرا طليقا في سفك دماء السوريين وسحقهم.
أخيرا.. إذا مضت السعودية وحلفاؤها في المنطقة في خيار التحالف مع إسرائيل والولايات المتحدة لمحاربة إيران وحزب الله، فإن نتيجة واحدة لن تكون محلَّ شك. إن عدواناً من هذا النوع سيلقي بحبل نجاة لإيران وحزب لله، ليحاولا إعادة إنتاج صورتهما التي اهتزت في الوعي العربيِّ في الساحات السورية والعراقية واليمنية. إنها أكبر هدية لهم أن يظهروا بموقف المتصدي لعدوان أعداء الأمة. ستقدم إيران نفسها من جديد على أنها "حسينُ" هذه الأمة، وَسَتُصَوِّرُ السعودية على أنها "يزيد"، مع إضافة أنها تحالفت مع أعداء خارجيين. أبعد ذلك يتساءل بعضهم: لماذا تكسب إيران ومحورها ويهزم "محورنا" نحن؟