السيسي وسد النهضة.. ما الحل؟

السيسي وسد النهضة.. ما الحل؟

16 نوفمبر 2017
+ الخط -
خلصت مقالة لصاحب هذه السطور، نشرت في "العربي الجديد" (مصر وسد النهضة.. كلاكيت 14 مرة) في 20 مايو/ أيار الماضي إلى عدم جدوى استمرار مصر في المفاوضات بشأن سد النهضة الإثيوبي مع السودان وإثيوبيا، لا سيما مع استمرار التعنت الإثيوبي، وتصاعد الخلافات بين القاهرة والخرطوم، وما تردد عن طلب الأخيرة تسوية أزمة حلايب وشلاتين لقاء توسطها لدى أديس أبابا بخصوص السد.
يبدو أن الطرف المصري توصل إلى نتيجة "فشل المفاوضات" بعد طول انتظار (ستة أشهر)، وثلاث جولات إضافية، وإتمام إثيوبيا 60% من السد، بحسب وزير الري، محمد عبد العاطي، الذي أعلن من قلب القاهرة فشل الجولة 17 بسبب ما وصفه بتعنت الجانبين، السوداني والإثيوبي، بشأن التقرير الاستهلالي للمكتبين الفرنسيين، على الرغم من أن إثيوبيا هي التي اختارت أحدهما، وعمدت إلى استبعاد المكتب الهولندي الذي رشحته مصر. ولعل خطورة هذا الفشل أنه لا يرتبط بهذه الجولة كسوابقها، ولكن بمستقبل عملية التفاوض، وكيفية درء الأضرار التي يمكن أن تنجم عن بناء السد بهذا الحجم (174 مترا ويحتجز 74 مليار متر مكعب من الماء)، في حالة توقف هذه المفاوضات.
كيف وصلت مصر إلى هذه النتيجة؟ هناك عدة مؤشرات يمكن رصدها في هذا الشأن، لا تشير فقط إلى التعنت الإثيوبي، وإنما سعيها إلى عدم حصول مصر على استحقاقات مصرية واضحة من ناحية، أو إلزام نفسها بالتزاماتٍ تمس سيادتها، أو تدفعها إلى تقديم تنازلات مجانية. وقد استغلت إثيوبيا حالة عدم الاستقرار في مصر بعد انقلاب 3 يوليو/تموز 2013، لمواصلة
 عملية بناء السد، والتعنت في تنفيذ مقرّرات اللجنة الدولية للخبراء التي أصدرت تقريرها أواخر عهد الرئيس المخلوع محمد مرسي. وطالبت حينها بإجراء ثلاث دراسات توضيحية، تتعلق الأولى بمعرفة الآثار المائية التي قد تصيب دولتي المصب، مصر والسودان، جرّاء بناء السد. وتناقش الثانية الآثار البيئية والاجتماعية والاقتصادية المترتبة على ذلك، حيث أصرت على استبعاد الدراسة الثالثة الخاصة بسلامة السد وحجمه وسعته التخزينية، وهو ما يفسر زيادتها، بعد ذلك، حجم بحيرته من 14 مليار متر مكعب إلى 74 مليار متر مكعب، على الرغم من عدم الحاجة لكل هذه المساحة التخزينية لتوليد الكهرباء.
ويذكر أن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، اتفق مع رئيس الوزراء الإثيوبي، هايلي ماريام ديسالين، في اجتماعهما على هامش القمة الأفريقية في أديس أبابا في يوليو/ تموز 2014، على ضرورة تشكيل اللجنة الفنية المنوط بها تكليف مكاتب استشارية بتنفيذ الدراسات التي طلبتها اللجنة الدولية، غير أن إثيوبيا حرصت، في أول اجتماع ثلاثي، على رفض الطلب المصري تدويل اللجنة على غرار لجنة الخبراء، حيث كانت مصر تخشى، في حينه، من أن يحدث تواطؤ ضدها. ومع ذلك انصاعت للطلب الإثيوبي بأن تكون اللجنة وطنية. ثم رفضت إثيوبيا طلبا مصريا آخر بوقف أعمال بناء السد إلى حين اكتمال الدراسات. وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2014. أعلن وزير الري الإثيوبي، سيلشي بيكي، عدم إلزامية النتائج الخاصة بدراستي المكتبين، وقال إن هذه الدراسات، وإنْ تحظى بالاحترام (RESPECTED) إلا أنها لا تعني وقف بناء السد. وهو ما أيده أيضا وزير الري السوداني، معتز موسى، في حديث للتلفزيون المصري، حيث قال إن رأي المكتب الاستشاري ليس ملزما، وليس حكما قضائيا. واضطر المفاوض المصري للموافقة عليه. ثم جاء إعلان المبادئ الذي وقعته الدول الثلاث في الخرطوم في مارس/ آذار 2015 ليؤكد هذا الأمر، حيث أشار، في البند الخامس الخاص 
بالتعاون في عملية الملء الأول وإدارة السد، إلى "احترام (وليس الالتزام) المخرجات النهائية للتقرير الختامي للجنة الوطنية حول الدراسات الموصى بها في التقرير النهائي للجنة الدولية".
يفسر هذا النص لنا عدة أمور، منها أسباب استمرار الرفض الإثيوبي والسوداني الأخير للتقرير الاستهلالي "الأولي" لهذين المكتبين، على الرغم من بحثه منذ مايو/ أيار الماضي، وعلى الرغم من انتهاء المدة الرسمية لإنجازهما في أغسطس/ آب الماضي. ويفسر النص أيضا أسباب حرص إثيوبيا على عدم مشاركة مصر في موضوع ملء سد النهضة للمرة الأولى، وكذلك إدارته باعتبارهما من أعمال السيادة. صحيح أنها ملتزمة ببند التعاون، كما جاء في إعلان المبادئ، لكنها تفسره وفق مفهومها، حيث يقتصر على إطلاعها المصريين على ما تريده وليس على ما يريدونه. كما حدث في زيارة وزير الموارد المائية والري المصري، محمد عبد العاطي، السد، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
يبقى التساؤل عن خيارات مصر بعد فشل المفاوضات... نص اتفاق مبادئ الخرطوم، في بنده العاشر، على أن تقوم الدول الثلاث بتسوية منازعاتهم الناشئة عن تفسير هذا الاتفاق أو تطبيقه، بالتوافق من خلال المشاورات أو التفاوض، وفقاً لمبدأ حسن النيات. وإذا لم تنجح في حل الخلاف من خلال المشاورات أو المفاوضات، فيمكن لها مجتمعةً طلب التوفيق، الوساطة أو إحالة الأمر إلى عناية رؤساء الدول/ رئيس الحكومة. ومعنى هذا، وفي ظل فشل المفاوضات الفنية، فإن الأمر الآن في ملعب عبد الفتاح السيسي لتسوية هذه المسائل وغيرها، لكن علاقات الرجل بكل من البلدين تشهد توترا ملحوظا في الآونة الأخيرة، في مقابل توطيد العلاقات بينهما بصورة لافتة. ومن ثم قد تكون هناك صعوبة في المفاوضات المباشرة، وبالتالي يمكن أن يبحث الرجل عن وسيط للتدخل. وهنا السؤال: هل يمكن أن يكون هذا الوسيط هو إسرائيل، صاحبة العلاقات الوطيدة مع أديس أبابا، أم السعودية والإمارات، على الرغم من برود علاقتيهما بالسودان على خلفية أزمة حصار قطر؟ وفي حالة الفشل: ماذا سيفعل الرجل، لاسيما في حال فشل التسوية السياسية، ورفض إثيوبيا التسوية القانونية، ناهيك عن ضعف فاعلية وسائل الضغط "المحدودة" التي يمتلكها في مواجهتهما، لا سيما بعد اكتشاف أمر دعمه المعارضة في الحالة الإثيوبية، ودولة جنوب السودان في حالة السودان؟ أم سيكون البديل الأسهل البحث عن مصادر مياه بديلة، أم حتى الطلب من الشعب المصري "الكادح تقليل الاستهلاك عبر رفع الدعم الكلي عن المياه"؟

دلالات

B8DDCC55-8075-41F9-A617-4F3EA9A3A8C9
بدر شافعي

كاتب وباحث مصري، يحمل الدكتوراة في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، له كتابان عن تسوية الصراعات في إفريقيا، وعن دور شركات الأمن في الصراعات.